ذكرى اغتيال فرج فودة.. ما قاله في مقدمة كتابه "الإرهاب"

الأحد، 08 يونيو 2025 03:46 م
ذكرى اغتيال فرج فودة.. ما قاله في مقدمة كتابه "الإرهاب" غلاف كتاب الإرهاب

أحمد إبراهيم الشريف

تمر اليوم ذكرى اغتيال المفكر المصرى فرج فودة، فى 8 يونيو من سنة 1992، وذلك على شهور قليلة من مناظرة شهيرة جرت فى معرض القاهرة الدولى للكتاب بين فرج فودة وجماعة من المفكرين الإسلاميين منهم الشيخ محمد الغزالى والدكتور محمد عمارة.

وفرج فودة له العديد من الكتب منها كتاب "الإرهاب"، الذى يقول فى مقدمته:

مقدمة

لم يخطر ببالى يوما أن أنشغل بما انشغلت به فى هذا الكتاب أو فى كتبى السابقة، فقد انصرمت سنوات دراستی وانصرفت إلى دراسة الاقتصاد الزراعي، وهيئ لى وأنا أحصل على الدكتوراه، أننى مقبل على البحث فى شئون التنمية الزراعية، وأن قصارى ما أتمناه أن أكتب مؤلفا أو مؤلفين فى مجال. تخصصى العام أو الدقيق، وأننى سأقضى عمرى أسيرا لمنحنيات الإنتاج والتكلفة والإيراد، ومنصرفا إلى المهنة التى عشقتها بكل جوارحى وهى التدريس ولا أملك وأنا أراجع ما حدث بعد ذلك إلا أن أبتسم، فقد تواری ما قضيت عمرى فى بحثه وتحصيله، وانصرفت عنه إلى القراءة والدراسة ثم الكتابة والبحث فى مجال جديد كل الجدة، أدخلنى فى خضم معارك عنيفة وحادة ونقلنى إلى مشارف المخاطرة، ووضعنى فى موقف العداء لتيار عريض وعنيد، وأسمعنى ما لم أتوقع فى حياتى سماعه، تنديدا وتأييدا، وفتح عينى على ما أجده الآن مبررا لوجودى ومحورا العمري، وملأ بريدى بخطابات التعضيد والتهديد ولم أجد فسحة من الوقت

لكى أتوقف قليلا وأتساءل: متى، وكيف، وإلى أين؟

حقا، وتقدرون فتضحك الأقدار، بل وتقهقه أحيانا فبعض ما كتبت يطبع للمرة السادسة، وبعضيه يترجم وبعضه يدرس فى الجامعات والمعاهد الأجنبية، وبعضه تعددت الكتب المؤلفة بالعربية للرد عليه. ولم يأت ذلك كله من فراغ وإنما كان حصيلة جهد هائل ومرتب فى القراءة والمبحث وصدق مع النفس والناس بلا حدود ووضوح فى القصد والرؤية دون التواء أو تمويه وقد تيقنت خلال ذلك من حقيقة مؤكدة، وهى أننا نسيئ الظن كثيرا بالمصريين، ونتصور أن الطريق إلى عقولهم محفوف بالمداهنة والاسترضاء، وأن ما يقبلونه منا هو ما يرضيهم أو ما نتصور نحن أنه يرضيهم والحقيقة التى ثبتت لدى عكس ذلك تماما، فالعقل المصرى قابل للمحاورة معك مهما اختلفت معه بشرط أن تكون واضحا ومقنعا، وهو أيضا مستعد لتلقى أرائك مهما كانت بشرط أن يتيقن من صدقك فى التعبير والدفاع عنها، وحاسته فى إدراك الصدق وتمييزه حاسبة باهرة، ولعل هذا يفسر لنا تقبل المصريين الفكر رواد الحضارة فى بداية القرن من أمثال الطهطاوى وعلى مبارك وأحمد لطفى السيد وسعد زغلول وقاسم أمين وطه حسين وعلى عبد الرازق وأحمد أمين وغيرهم. على الرغم من أنهم ساروا  ظاهريا  فى عكس الاتجاه وسبحوا ( كما بدا للجميع ) ضد التيار، ولم تمر سنوات قليلة إلا وكانوا هم أنفسهم رواد المسيرة، ورموز التيار الفكرى العام، وأكاد أتخيل سعد زغلول، الأزهرى النشأة الصاعد فى تؤدة إلى أعلى المناصب فى مجتمع ساكن الفكر، راكد الحوار، رموزه فى الكتابة متمثلة فى جاويش وعلى يوسف، والتيار الفكرى السائد على سطح الحياة السياسية متعلق بأهداب الخلافة العثمانية، أكاد اتخيله جالسا فى قهوة متاتيًا فى ميدان العتبة مستمعا إلى جمال الدين الأفغانى وهو يتحدث عن الثورة وحقوق الشعوب، بينما يتبلور فى وجدان سعد منهج فكرى متكامل لو صارح به أحدا وقتها لاتهمه بالجنون، ولعله كان يسائل نفسه لماذا لا ندعو لاستقلال مصر عن الجميع، ولماذا لا ندعو لتوحد المصريين على أساس المواطنة وليس العقيدة، ولماذا لا تتحرر المرأة من سيطرة حجاب الزى وحجاب العقل، ولست أشك فى أنه كان يدرك المحاذير على المستوى العام فيما يخيل للجميع أنه تيار فكرى سائد وعلى المستوى الشخصى فيما يهدد مكانته المرتقبة، والمرتبطة أشد الارتباط بسكون المناخ الفكرى والحضارى وركوده، هنا لابد من إضافة بعد جوهرى وهام، وهو إدراك الرواد الطبيعة

مسار التاريخ، واتجاه هذا المسار، وهو إدراك داخلى يتبلور فى اللاشعور، وفى هذه الأحوال يكون المسرح السياسى والفكرى مهيأ لدور ينتظر صاحبه، وعادة ما يكون هذا الدور معاكسا لكل ما هو ظاهر، ومعبرا فى نفس الوقت عما هو كامن وحقيقى ومستقبلى وصحيح ولنا أن نتساءل بعد ستين عاما عن النتائج، كيف انتهى المطاف بسعد زعيما شعبيا وتاريخيا، وانتهى بعلى يوسف شيخا لسجادة صوفية، ولنا أيضا أن نتساءل عن تأثير كتاب على عبد الرازق فى الثمانين صفحة، وتأثير المجلدات التى كتبها معارضوه، وعن فكر طه حسين وأدبه وفكر أشياخه ممن تصوروا أنهم أحرزوا نصرا نهائيا عليه حين رفضوا منحه شهادة العالمية، ولو استسلم كل من هؤلاء لما تصور الجميع أنه فكر الأغلبية وصوت الرأى العام، وهوى الجماهير - الاقتصر دورهم على الأداء البيولوجي، يأكلون كما يأكل الناس، ويُخْرِجُونَ كما يخرج الناس، ويفكرون كما يفكر الناس، ويكتبون كما تعود الناس، ويندثر ذكرهم كما يندثر ذكر أغلب الناس ولعله من المفيد هنا أن نتساءل عن قيمة إسهام سعد زغلول لو اقتصر دوره وهو الدارس للقانون على مبحث فى القانون المدنى أو مذكرة فى الأحوال الشخصية وقس على ذلك لو اقتصر دور طه حسين على تقييم أدب

أبى العلاء، أو دور على عبد الرازق على كتابة مذكرات أحكام القضاء الشرعي، هنا لابد أن نسلم بحكمة علوية تهيئ الأفراد لأداء دور ربما دفعوا حياتهم من أجله وربما أسعدهم الحظ بحصاد النتائج خلال حياتهم، وربما حدث العكس فعاشوا حياتهم يتنازعهم حماس تأييد القلة، وصراخ تنديد الكثرة، وليس عليهم إلا أن يدركوا حقيقة واحدة، وهى أنهم موجودون لأداء دور، تفرضه عليهم معطيات الواقع ومتطلبات المستقبل، ويدفعهم إليه إيمانهم بأوطانهم وبمستقبل الأجيال القادمة، وأن وجودهم مرتبط بأداء هذا الدور، وأنهم بقدر هذا الأداء سوف يكونون، وبقدر التضحية سوف تنتصر دعوتهم وبقدر قوة مناوئيهم وعنفهم وجبروتهم، بقدر ما يكون لأدائهم معنى، ولدورهم تأثير، وبقدر إيمانهم بأن رحلة العمر كلها قصيرة، وأن الجميع إلى نهاية طال العمر أو قصر، وأن النهاية ثمن ضئيل لبداية الآخرين على طريق صحيح، بقدر ما تأتى البداية بأسرع مما يظن الجميع، وبقدر ما ترتفع الراية إلى أعلى مما يتصور الكل ....
من منا يتذكر اسما واحدا من أسماء من أنكروا على جاليليو مقولته بدوران الأرض حول الشمس ؟ لا أحد، بينما يتذكر الجميع جاليليو، ويعترف الجميع بصحة نظريته، ولو أخفى جاليليو ما توصل إليه، لربحالعيش الآمن وخسر نفسه، ولما ذكره أحد.

من منا يتذكر من قطع أطراف ابن المقفع وأجبره على أكلها بعد شيها، لأنه تجرأ على إزجاء النصح للحاكم فى كتابه (رسالة الصحابة)، تقريبا لا أحد، بينما تنتقل كتب ابن المقفع، كليلة ودمنة، والأدب الكبير، والأدب الصغير ورسالة الصحابة من الأجداد إلى الأحفاد وأحفاد الأحفاد، ويرتفع ذكره بقدر صدقه مع نفسه ومع الناس، ولو تفرغ لكتابة عرائض المديح وقصائد الثناء لاندثر ذكره فيمن اندثروا وما أكثرهم، وما زاده عذابه فى النهاية الأليمة إلا ارتفاعا فى المكانة وخلودا فى الذكر.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة