محمود عبدالراضى

جمال ما لم يكتمل.. حين يكون النقص حياة

الإثنين، 30 يونيو 2025 10:27 ص


اقبلوا الأشياء الناقصة، ولو بدت قاسية، اقبلوا الأرزاق التي لم تأتِ بعد، والآمال التي تتعثر في منتصف الطريق، والقلوب التي لم تُطِب بعد جراحها، اقبلوا تدابير الله حين تبدو ناقصة، فالنقص ليس دائمًا نقصًا، بل هو ترتيب خفيّ، مكتملٌ في علم الغيب، ناقصٌ فقط في نظر العجلة والضيق.

في زمن يقدّس السرعة، ويرفع شعار "النجاح الكامل أو لا شيء"، يبدو النقص عيبًا، والتأخّر عارًا، والفراغ لعنة، بينما الحقيقة أبسط وأعمق من ذلك بكثير: لا شيء خُلق ليكتمل، لا نحن، ولا حكاياتنا، ولا أيامنا، ولا حتى أحزاننا أو أفراحنا، فكل شيء في هذا الكون يسير على مبدأ "التدرّج"، على نظام "القليل ثم الكثير"، على إيقاع "ليس الآن.. ربما لاحقًا".

لو تأملت الكون من حولك، لوجدت النقص سُنة كونية: القمر لا يُولد بدرًا، بل يبدأ هلالًا، الشمس لا تشرق كاملة بل تزحف بنورها على استحياء، وحتى الورد لا يفتح دفعة واحدة.. فلماذا تُطالب حياتك أن تكتمل دفعة واحدة؟

بل إن أخطر اللحظات في عمر الأشياء، لحظة اكتمالها، أتعلم متى نزل قول الله تعالى: "اليوم أكملتُ لكم دينكم، وأتممتُ عليكم نعمتي، ورضيتُ لكم الإسلام دينًا"؟
لقد نزلت في يوم عرفة، في حجة الوداع، في السنة العاشرة من الهجرة، لحظة اكتمال الرسالة، كانت أيضًا إيذانًا بانتهاء الرحلة، لم تمر أيام طويلة بعدها، حتى مات النبي ﷺ. وكأنّ السماء تقول لنا: حين يكتمل الشيء، تقترب نهايته، الاكتمال في ظاهره راحة، وفي باطنه وداع.

من هنا، يصبح النقص في حياتك نعمة غير مفهومة، هو مساحة الرجاء المفتوحة بينك وبين الله، تلك الوظيفة التي تنتظرها، ليست فقط مصدر رزق، بل رابط مستمر بينك وبين باب السماء، ذلك الطفل الذي تحلمين به، ليس فقط أمومة، بل دعاء متصل لا ينقطع، هذا المشروع المتأخر، هو مساحة اختبار لصبرك، وإيمانك، وإصرارك.

الأشياء التي لم تكتمل، تُبقيك في حالة حياة، تُبقيك منتظرًا، راجيًا، داعيًا، ساعيًا، متصالحًا مع الغيب، لأن ما يكتمل غالبًا ما ينغلق، وما يُغلق يُنهي الحكاية.

اقبل نقصك الإنساني، عقلك الذي لا يملك كل الأجوبة، قلبك الذي ما زال يتعافى، جسدك الذي يُرهق، وأحلامك التي تخذلك أحيانًا، هذا كله جزء من إنسانيتك، لا عيبًا فيها.

اقبل النقص، لأن فيه من الكمال ما لا تدركه الآن.


 



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب





الرجوع الى أعلى الصفحة