اليوم ونحن بصدد الاحتفال بالذكرى الـ12 لثورة 30 يونيو، علينا الاعتزاز والاعتراف بأن أى محاولة لحصر إنجازات الرئيس على مدار كل هذه السنوات، فهى محاولة فاشلة ومستحيل أن تنجح من خلال حصر مقال أو حتى عدد من المقالات، لذا حاولت أن أعرض من خلال مقالى ملفا أستعرض ملامح إنجاز لا يتحدث عنه إلا المتخصصون والأكاديميون بهذا الشأن، وهو العلاقات الدبلوماسية وشكل المسارات المصرية داخل القارة الأفريقية والذى يعد تاج إنجازات الرئيس عبد الفتاح السيسى لما حققه من إعادة تعزيز للعلاقات داخل القارة السمراء.
فالقارة الأفريقية تمثل للدولة المصرية عمقاً استراتيجياً لا يمكن إغفاله ولا التهاون فيه لما له من مساس بالأمن القومى المصرى وبالنظر إلى مصر نجد أن هناك عوامل تاريخية تربط بين كل من مصر وباقى دول القارة إلا أن عامل وقعها الجغرافى كان الأمثل فى جعلها بوابة أفريقيا من الشمال، وبذلك أصبحت مصر هى البوابة الشمالية الشرقية لأفريقيا وقلب العالم العربى بذات الوقت فأعلت بذلك مرتبة الدور الإقليمى بالقارة وهو الأمر الذى لم يغفله القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو ضرورة استثمار هذا الموقع الاستراتيجى فى صالح المنطقتين العربية والأفريقية.
وبالفعل وبرغم التنازع والخلافات التى نراها تطفو على سطح الحياة السياسية من آن لآخر فى دول أفريقيا، سارع الرئيس عبد الفتاح السيسى من أول لحظات حكمه بالسعى لإثبات العنصر الأهم تلك الفترة، وهو إعادة تعزيز العلاقات المصرية الأفريقية مرة أخرى، والتأكيد على أن انتماء مصر لأفريقيا هو انتماء ذو طبيعة خاصة، طبيعة أقرها التاريخ بسطوره فى العديد من التفاعلات العسكرية والسياسية عبر الزمن، تألقت بشكل لافت بعد ثورة 1952، ولكنها انطفأت وتدهور على إثر حادث محاولة اغتيال الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك بأديس أبابا، إلا أن ثورة 2011 كان من ضمن مطالباتها ضرورة إعادة العلاقات مع دول القارة الأفريقية ووضع حل لهذه القطيعة بشكل تعود معه مصر بصورة تلائم مكانتها ككونها قوى إقليمية مؤثرة على كافة دول القارة الأفريقية.
إلى أن جاءت ثورة 30 يونيو وتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى حكم مصر وحقق المطالبة الشعبية، فكان أول خطاب له أمام قمة الاتحاد الأفريقى عام 2014 تاريخياً، لما كان فيه من إرساء لقيم التعاون بين دول نهر النيل، الأمر الذى تبعه جدول زيارات خارجية من جانب الرئيس، بجانب تحرك دبلوماسى غير مسبوق من الخارجية المصرية، شمل إعادة سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وعدد من دول القرن الأفريقى، ابرزها الصومال وجيبوتى وإرتيريا والذى انتهى ببرتكول تعاون بموجبة تشارك مصر فى بعثة حفظ السلام الأفريقية "أوصوم" بشكل يمثل لمصر العديد من الإيجابيات.
ولم يكتف الرئيس عند هذا الحد بل كان أشد الحريصين على ترسيخ فكرة الانتماء المصرى القارى من خلال خطه بناء وإعمار شاملة للبنية التحية داخل 23 دولة أفريقية، اتخذت شكلا اقتصاديا بلغ حجمه حتى العام الماضى قيمة الـ3.4 تريليون دولار بجانب إنجازات أخرى "اقتصادية ـ سياسية" كان من بينها اتفاقية حصاد مياه النيل بين مصر والسودان، والمشاركة فى إعداد دراسات إنشاء سد «واو»، بالإضافة إلى تدشين المنطقة الحرة القارية الأفريقية، وإنشاء السدود، 5 سدود و6 محطات مياه شرب جوفية مع عدد ضخم من الآبار الجوفية تعدى رقم الـ100 بئر داخل كل من دول ( أوغندا وكينا وتنزانيا) ولا ننسى التعاقد على تصميم وتشييد سد ومحطة روفيجى للكهرباء فى تنزانيا.
وبذلك وبفضل تلك المشروعات التنموية داخل القارة السمراء عادت مصر لمكانتها القارية مرة أخرى، أن لم تكن بصورة أقوى، فهذه المرة دولة قائدة ذات نفوذ وقوى اقتصادية كبرى من خلال عدة مشروعات محورية وفارقة تربط بين مصر وباقى دول القارة وكأنها قلب نابض لهم.
وخير مثال على ذلك جاء مشروع «القاهرة - كيب تاون»، والذى يربط كهربائيا بين أفريقيا وأوروبا مستهدفاً 9 دول أفريقية وهى (مصر، والسودان، وكينيا، وإثيوبيا، وتنزانيا، وزامبيا، وزيمبابوى، والجابون، وحتى مدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا)، بالإضافة إلى مشروع الربط المائى بين مدينة الإسكندرية المصرية وبحيرة فيكتوريا، مرورا بمشاريع مكافحة المناخ والتى كان من ضمن فاعليتها الهامة cop_27.
ولكن بمقالى هذا سأتحدث عن cop _26 والذى أقيم بمدينة جلاكسو والذى أكد فيه الرئيس خلال كلمته على ضرورة منح القارة الأفريقية معاملة خاصة فى إطار تنفيذ اتفاق باريس.
وقد لاقت هذه المطالبة ترحاب واسع بين صفوف دول القارة الأفريقية أعادت لمصر بعدها مقاليد زعامتها التى قد فقدت خلال فترة طويلة.
ولم تتوقف أعمال الرئيس ولا لم تهدأ الخارجية المصرية بعهده حتى حققنا مؤخراً انتصارا خاصا، وهو فوز مصر بمقعد رئاسة منظمة «الكوميسا» والذى حققت فيه مصر وأشقاؤها من دول القارة السمراء طموحاتها، بتعزيز التبادل المشترك، من خلال التكامل الاقتصادى الرقمى الاستراتيجى والذى لحقه بعد ذلك استضافة مصر هذا العام لوكالة الفضاء الأفريقية.
وبالختام ونحن بصدد حصر إنجازات لا حصر لها ومن الظلم بمقال حصرها، خاصة وأن الرئاسة المصرية وذراعها الأيمن الدبلوماسى وهو خارجيتها المصرية يتحركان على قدم وساق قدماً نحو تحقيق المزيد من الإنجازات الأفريقية، وإن كان هذه المرة أكثر توسعاً، على يد وزارة الخارجية فى شكل إعداد لدراسة شاملة أولى من نوعها حول خارطة الاستثمار فى أفريقيا، والتى سيترتب عليها المساهمة فى فتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية فى أفريقيا بما فى ذلك من دعم لنشاط الشركات المصرية وما يلحق ذلك من تنفيذ لمشروعات تنموية فى الدول الأفريقية المختلفة بشكل يعزز من العلاقات المصرية - الأفريقية بشكل أشمل وأعمق السنوات المقبلة بلا شك. سنذكرها بنفس بذات الذكرى العام القادم.