- الخوف من دمار شامل.. موقف أمريكى وأوروبى خطر
بالرغم من أننا فى عصر المعلومات، لكن يبدو أن التعتيم هو الأبرز فى هذه المواجهة الدائرة فى الإقليم بين الاحتلال الإسرائيلى وإيران، بجانب الدور التشويشى الذى تلعبه أدوات التواصل وتجعل من الصعب على كثيرين التفرقة بين الآراء الشخصية والمعلومات أو بين التقارير والشائعات، وتحويل السياق إلى ما يشبه تعليقات ألتراس مباريات كرة القدم، بجانب أن كل طرف من أطراف الحرب يسعى الى إطلاق تهديدات ضمن دعاية وحرب نفسية معروفة.
هناك مفارقات وتناقضات تحكم هذه الحرب، ففى الوقت الذى نجحت فيه إسرائيل فى تنفيذ ضربات استباقية وتنفيذ اغتيالات واختراقات استخباراتية ومعلوماتية، واغتيال قيادات عسكرية وعلمية إيرانية، فإن الولايات المتحدة تهدد بالانضمام إلى إسرائيل فى الحرب، بما قد يشير إلى أنه بالرغم من التفوق المعلوماتى الإسرائيلى، بل والسيطرة وتجنيد عملاء وجواسيس، إلا ان الكفة لا تزال تميل لصالح إيران، التى بالرغم من كونها تبدو أقل قدرة وتفتقد إلى قوات جوية، وتعتمد على قدراتها الصاروخية بعيدة المدى، فإن الأمر بالفعل يبدو ملتبسا فيما يتعلق بالموقف فى إسرائيل.
بالرغم من التعتيم الشديد داخل إسرائيل حول حجم الخسائر من جراء صواريخ إيران، فإن ما يتسرب وما يظهر على مواقع التوصل وترصده الأقمار الصناعية يشير الى أن الخسائر الحقيقية لإسرائيل أضعاف وربما عشرات الأضعاف لما هو معلن، وحتى فى خطابات نتنياهو يظهر أن إسرائيل هى التى تتعرض للتهديد من قبل إيران، بل إن إسرائيل تضخم من حجم التهديدات والتصريحات الإيرانية فى الترويج لما تقول انه خطر وجودى، وهنا مفارقة أخرى فالاحتلال وإسرائيل عموما اعتادوا أن يهاجموا ويقتلوا ويقصفوا فى الوقت الذى يصرخون فيه من خوف افتراضى، بينما الأطراف الأخرى اعتادت أن تهدد أكثر وتصدر بيانات وتهديدات فى الوقت الذى تتعرض للضرب، داخل غزة هناك إبادة إسرائيلية مستمرة ومع هذا فإن الادعاءات بتحقيق انتصارات والمبالغة فى تبيان العمليات كلها تصنع صورة غير حقيقية تبيعا إسرائيل للغرب.
وهنا نحن أمام ادعاءات وتهديدات جوفاء، تنطلق لتحولها إسرائيل إلى أنها خطر وجودى، فعلى سبيل المثال فإن الحرس الثورى الإيرانى، أو حتى المرشد الإيرانى، يعلنون طوال ثلاثة أيام، أن الحرب بدأت من دون أن يقدموا أى جديد يضاف إلى الصواريخ الليلية، مع شيوع تسريبات عن مفاجآت تجهزها إيران، غالبا ما تذهب أدراج الصمت، صحيح أن صواريخ إيران تؤذى إسرائيل، لكن الجانب الإسرائيلى بالفعل حقق اختراقا وتفوقا جويا كبيرا على إيران، التى تتكشف الكثير من ثغراتها فى ظل المواجهة، بجانب تأثيرات الحصار الطويل التى حرمت إيران من تحديث أسلحتها أو حيازة قوة جوية، وفى المقابل فإن تهديدات الولايات المتحدة بالانضمام لإسرائيل، بقدر ما تشير إلى عدم قدرة إسرائيل على الحسم، فهى أيضا تدخل ضمن محاولات الولايات المتحدة لاستخدام التهديد فى مناورات دفع إيران للتوقيع على اتفاق نووى، وهو الهدف الأمريكى الظاهر من شن الحرب.
وهنا نحن أمام حرب دعاية ومناورات وتداخلات وتقاطعات، تضاعف من ضبابية السيناريوهات المتوقعة، لكنها أيضا تحمل الكثير من الملامح التقليدية للسياسة الدولية، التى تحتمل الدعايات والمناورات والضغوط، بشكل يتجاوز بعض التحليلات التى تخفض من شكل ومضمون الأمر، وتضعه فى سياق مناوشات وملاسنات عرقية أو طائفية أو دينية، بينما نحن أمام احتمالات لأخطار قد تتسع ويكون من الصعب السيطرة عليها.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، قال إن صبره على إيران بدأ ينفد ودعاها للاستسلام، وتروج جبهة إسرائيل إن الولايات المتحدة قد تنضم للحرب على إيران قريبا. وتعلن إسرائيل أنها سوف تستهدف مواقع إيرانية لإنتاج أجهزة الطرد أو خدمات الطاقة الذرية، أو مهاجمة محطة فوردو النووية لتخصيب اليورانيوم، وهى ثانى أبرز موقع نووى فى إيران، بينما تشكك تقارير كثيرة فى مدى قدرة إسرائيل على إنهاء البرنامج النووى الإيرانى، حيث تحتفظ إيران بقدراتها على التخصيب والإنتاج.
فى المقابل فإن تقارير أخرى تشير إلى أن إيران لم تنجز الكثير من الخطوات التى يتطلبها إنتاج السلاح النووى، وأن الأمر يدخل فى سياق الدعاية المتبادلة، مثلما كان الوضع فى العراق، حيث اتضح أنه لم يكن يملك أسلحة دمار، تم تدمير العراق بزعم امتلاكها، وهو احتمال وارد مع إيران، وبالتالى فإن التعتيم هو الذى يجعل السيناريوهات غامضة فيما يتعلق بمستقبل الحرب وتوقعات ما يجرى، ومع هذا فإن الأمر لا يخلو من أخطار فى حالة انفلات الأوضاع، ولجوء إيران إلى خيارات صعبة فى ظل غياب المخارج، بأن تتجه إلى عمليات انتحارية أو تستهدف مصالح أمريكية، أو أن تنطلق عمليات تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل وتتوالى الردود وكلها احتمالات مفتوحة ما لم تصل الأمور إلى حل تفاوضى متوازن، وهو ما تضمنه بيان الدول العربية والإسلامية الذى دعا إلى حل يوقف التداعيات، ونزع أسلحة الدمار الشامل بجانب أنه يدين الجانب الإسرائيلى، وكلها سيناريوهات مفتوحة وخطرة.
