ينتصب ما يقرب من 3000 صليب أبيض على سفح تل عند نصب الصليب الأبيض "وايت كروس" التذكارى فى دولة جنوب أفريقيا، تخليدًا لذكرى المزارعين البيض الذين قُتلوا على مدار 30 عامًا، لكن هذا التل لا يروى إلا جزءًا صغيرا من القصة.
الموقع اللافت للانتباه، غذى رواية زائفة عن الاستهداف العنصرى للأقلية البيضاء فى جنوب أفريقيا، رغم أن الدراسات تُظهر أن الهجمات تؤثر على جميع الأعراق فى جنوب أفريقيا، وقد تم نشر هذه الرواية الكاذبة أيضًا من قبل المعلقين المحافظين فى الولايات المتحدة وأماكن أخرى، وتم تضخيمها من قبل إيلون ماسك المولود فى جنوب أفريقيا والرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
وفى الشهر الماضى، صعّد ترامب من لهجته، مستخدمًا مصطلح "الإبادة الجماعية" لوصف العنف ضد المزارعين البيض فى جنوب أفريقيا، وهو ما نفته الدولة الواقعة فى أقصى جنوب القارة السمراء بشدة.
وقد أدانت الحكومة فى جنوب أفريقيا والخبراء الذين درسوا عمليات قتل المزارعين علنًا المعلومات المضللة التى نشرها ترامب وآخرون، وفقا لصحيفة أفريكا نيوز.
نصب "وايت كروس" التذكارى، الذى يعنى "نصب الصليب الأبيض" بلغة أقلية الأفريكانر البيضاء فى جنوب أفريقيا، هو نصب تذكارى مخصص فقط للبيض الذين قُتلوا فى المزارع على مدى العقود الثلاثة الماضية.
إنه صورة مؤثرة استغلها بعض الجنوب أفريقيين لترويج رواية مفادها أن المزارعين البيض فى البلاد ذات الأغلبية السوداء يتعرضون لاستهداف نظام اضطهاد عرقى واسع النطاق.
حتى القائم على رعاية نصب وايت كرويس التذكارى يقول أن النصب التذكارى - الذى لا يشير إلى مئات المزارعين والعمال الزراعيين السود فى جنوب أفريقيا الذين قتلوا - لا يروى القصة كاملة.
وقال كوبوس دى لانج، المسئول عن النصب التذكارى :"يُهاجم المزارعون السود أيضًا، ولكن ليس بنفس القدر الذى يُهاجم به المزارعون البيض، وليس بنفس الوحشية، عادةً ما يتأثر العمال السود بشدة لأنهم يفقدون دخلهم الآن، ويُحتجز بعضهم ويُعذبون قليلًا قبل دخولهم منازلهم، يحصلون منهم على معلومات عن المنزل قبل مهاجمة المزارع داخله".
أعرب دى لانج عن خوف وإحباط مجتمع المزارعين البيض الذين يشعرون أن السلطات لم تبذل جهدًا كافيًا لحمايتهم. ارتدى أحد أبنائه قميصًا عليه شعار "كفى" - مكتوبًا بلغتهم الأفريكانية - فى إشارة إلى عمليات القتل.
لكن دى لانج اعترف بأن النصب التذكارى لا يلتقط النطاق الكامل لعمليات القتل فى المزارع.
قال دى لانج: "فى جميع الأحوال، يتعرض المزارعون السود أيضًا للهجوم"، وأضاف أنه فى بعض هجمات المزارع، يتعرض العمال السود للتعذيب على يد المجرمين للحصول على معلومات حول كيفية اقتحام المزرعة الرئيسية.
وتشكل جرائم قتل المزارعين والعاملين فى المزارع، بغض النظر عن العرق، نسبة ضئيلة من معدل الجريمة المرتفع فى البلاد، وتحدث عادة أثناء عمليات السطو المسلح، وفقا للإحصاءات المتاحة ودراستين أجريتا على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية.
ولكن بما أن البيض الأثرياء يمتلكون 72% من المزارع الخاصة فى جنوب أفريقيا، وفقا لبيانات التعداد السكانى، فإنهم يتأثرون بشكل غير متناسب بهذه الجرائم الوحشية فى كثير من الأحيان، إذ يمتلك السود 4% فقط من الأراضى الزراعية المملوكة للقطاع الخاص فى البلاد، أما الباقى فيمتلكه أشخاص من عرق مختلط أو من أصول هندية.
وقال جاريث نيومان، خبير الجريمة فى معهد دراسات الأمن فى بريتوريا، أن المعلومات المضللة حول عمليات القتل فى المزارع تم تغذيتها من قبل الجماعات السياسية اليمينية فى جنوب أفريقيا وغيرها من الجماعات خارج البلاد.
وقد قاطعت بعض الجماعات الهامشية فى جنوب أفريقيا، التى لا تملك أى سلطة رسمية، أول انتخابات ديمقراطية فى البلاد عام 1994، عندما انتهى نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا الذى حكمه الأقلية البيضاء رسميا.
لقد تبنوا منذ ذلك الحين نظرية الاضطهاد التى تم دحضها - فى بلد يشكل فيه البيض حوالى 7٪ من السكان.
قال نيومان: "لقد تمسكوا بهذه المعتقدات كوسيلة للحفاظ على التماسك الاجتماعى فى جماعاتهم، وضمان حصولهم على التمويل والدعم، وكانوا يحصلون على دعم من جماعات اليمين المتطرف فى الخارج لأنه يتوافق مع روايتهم".
وتم البدء فى إنشاء نصب وايت كروس التذكارى فى عام 2004 ولكنه يعترف بالضحايا منذ عام 1994.
يقول المنظمون إنه فى كل عام، تُزرع المزيد من الصلبان تخليدًا لذكرى المزارعين البيض وأفراد عائلاتهم الذين قُتلوا، ومؤخرًا، غرسوا حوالى 50 صليبًا سنويًا.
النصب التذكارى