سيناريوهات عدة قد تنتظر المواجهة بين إسرائيل وإيران، من التصعيد الشامل إلى التهدئة، ومن أبرز السيناريوهات الممكنة مع اتساع رقعة الهجمات، والردود يصبح احتمال الإنزلاق إلى مواجهة شاملة أكثر واقعية، خاصة فى حال وقوع ضربة واسعة التأثير بين الطرفين، ورغم أن واشنطن كانت تفضل البقاء فى الخلفية، إلا أن دخولها المباشر للمعركة لن يكون مستبعدًا، فى حال تعرضت مصالحها أو قواتها فى المنطقة لأى هجوم إيرانى مباشر، وقد يكون الدخول الأمريكى فى الحرب محدودًا، عبر ضربات جوية تكتيكية، ضد منشآت إيرانية إذا تطورت الأمور، إلى تهديد استراتيجى.
من السيناريوهات المطروحة تطور المواجهات الحالية إلى حرب استنزاف بين الطرفين، لكن هذا السيناريو يحمل تحديات كبيرة بالنسبة للجانبين، فإيران قد تواجه صعوبة فى تعويض مخزونها من الصواريخ والطائرات المسيرة، خصوصًا فى ظل الضربات الإسرائيلية، أما من جانب تل أبيب فقد يتسبب هذا التصعيد فى أعباء اقتصادية وعسكرية مستمرة لها إذا تحول إلى حرب استنزاف.
لا أعتقد أن حرب استنزاف أمر سهل بالنسبة لإسرائيل، فمن الصعب أن تدير حرب استنزاف على بعد 1500 كيلو متر، يمكن أن يحدث ربما لأسابيع، لكن أن يطول الأمر أكثر من ذلك سيكون صعب، وبالتالى بنيامين نتنياهو، يراهن على إسقاط النظام، وهذا يحتاج إلى حرب استنزاف، ولهذا ترامب لا يريد أن يدخل مع إسرائيل فى حرب استنزاف لإسقاط النظام، فذلك الأمر كابوس بالنسبة له، لكن الرهان الآن لإسرائيل هو الاستمرار فى الضربات، بمعنى أن تكون حرب قصيرة فى حال تمكنت إسرائيل من فرض السيادة الجوية على كل الأجواء الإيرانية، ومن جهة أخرى تعطيل الصواريخ البالتسية الإيرانية، وبالتالى لن يكون عليه ضغط فى الداخل.
إمكانيات إسرائيل، تشير إلى أنها تستطيع الذهاب إلى حرب استنزاف أطول قليلًا لكن ليس بنفس الوتيرة التى تجرى بها اليوم، تسمح له الإبقاء على الحرب تحت اسم حرب، والاستمرار فى مضايقة النظام الإيرانى، والجميع يعلم أنه لا يمكن الاستمرار فى الحرب بنفس الطريقة التى تحدث فى غزة، كما أن سلاح الجو الإسرائيلى لا يستطيع أن يستمر بهذه الطريقة، ولا الاقتصاد الإسرائيلي، فهى ليست مثل الحرب مع حزب الله أو مع حركة حماس، لأن هذه المنطقة حساسة تؤثر فى العالم.
الاتجاه العام حاليًا يشير إلى أن الأزمة وصلت إلى مرحلة خطيرة لأن أهداف إسرائيل كانت تدمير المشروع النووى الإيرانى، ومن ثم تطور الأمر إلى هدف آخر وهو تدمير القدرة الصاروخية لإيران، وأعتقد أن سقف إسرائيل من حيث المبدأ عالى، فلا يمكن أن يسقط النظام من خلال الضربات الجوية، ولا يمكن للعمليات الجوية أن تسقط دولة، فالنظام الإيرانى لا يعنى أن كل المجتمع الإيرانى موحد، هناك معارضة والخروقات التى تجرى فى الداخل الإيرانى وقدرة إسرائيل على تجنيد العملاء الذين يقومون بضربات سواء كانت طائرات مسيرة، أو حتى بإستهدافات أو اغتيالات، فهذه المسألة ليست جديدة، فهم يعيشون هذه الأمور منذ اغتيال القائد الأول للمشروع الإيرانى مجيد شهرياري فى 2010، وحتى الآن تدفع إيران من قاداتها وعلمائها الذين تستطيع إسرائيل اغتيالهم، ورغم ذلك قد تكون تأخرت ولكن المشروع متصاعد، والدليل أنه لو نظرنا تاريخيًا إلى المشروع النووي، كان متوقف فى عهد محمد خاتمى، وتم التخصيب فى عهد أحمدى نجاد إلى 3.5%، ثم رفع نجاد إلى 20% والآن 60%.
قناعتى الشخصية، أن أمريكا لم تكن تفضل أن تقوم إسرائيل بهذه الضربات، فى حين أن نتياهو كان يحاول طوال 10 سنوات أن يدفع أمريكا أن تقوم بهذه المهمة، والآن أعتقد أن الضربات الجوية لن تنهى قدرة المشروع الصاروخى لكنها ستؤثر عليه، ولا يمكن أن تنهى المشروع النووى، لكنه أجلته، لأن هناك تهديد إيرانى للمنشات النووية فى إسرائيل، وبالتالى تصبح تلك نقطة الضعف فى الطرفين
التدحرج فى هذه العملية إلى التصعيد ليس فى صالح المنطقة، ولا فى صالح الاستقرار العالمى، لأن آثار الحرب ستكون كارثية، إسرائيل التى كانت تدعى أنه لا يمكن لأحد الوصول إليها، وصلت الصواريخ الإيرانية إلى قلبها فى تل أبيب، وإلى حيفا، وفى الجانب الآخر هناك ضربات إسرائيلية فى قلب إيران، إذًا لا يمكن تحديد من يتراجع أولًا أو ينجح الوساطة، اذا خرجت الأمور عن السيطرة ستكون هناك تدخلات وستستمر الحرب.
فى النهاية.. هل نجد وساطة لإنهاء الأزمة؟ هل من الممكن أن تتدخل روسيا التى تعج بالأزمات بحربها مع أوكرانيا لإنهاء الأزمة الجارية بين الاحتلال وإيران؟ هل تنجح مساع قطر وسلطنة عمان للانتقال تدريجيًا للعودة إلى الوضع الطبيعى؟ لأنه لو استمر الصراع، فقد يكون من المحتم جر الخليج بشكل ما فيه، كل ذلك سيتضح فى الآونة القريبة نظرًا لسير الأحداث بوتيرة سريعة.