كما أن هناك رجال للخير هناك رجال للشر، ومن هؤلاء يأتي "الغافقي بن حرب العكي" واحد من الذين خطّوا أسماءهم بحدّ السيوف، وسواد النوايا، في الفتنة الكبرى، إنه زعيم الثوار وأحد القتلة المباشرين لسيدنا عثمان بن عفان.
ينتمي الغافقي إلى قبيلة غافق من عك اليمنية، وهي قبيلة سكنت مصر بعد الفتح، وكان له نفوذ واضح بين الجنود والناقمين على الخليفة الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه، ولم يكن ظهوره مجرد اسم على هامش التمرد، بل كان في قلبه، فهو ممن قادوا جحافل الموت نحو دار الخليفة المحاصر.
خرج الغافقي على رأس مجموعة الثائرين من مصر، وراح يحرض الناس، ويعبئ القلوب بالغضب، ويمد الحصار بالوقود، توحدت كلمته مع زعماء من الكوفة والبصرة، لكنه كان أبرزهم في القيادة والتنظيم، حتى صار المتحدث باسم الثورة، بل أميرها.
كان من أوائل من اقتحموا دار عثمان، وتروي المصادر أنه هو من ضرب الخليفة أولًا بحديدته، ثم ركل المصحف من يده، فتناثرت الدماء على قوله تعالى: "فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم".
خمسة أيام مرّت بعد مقتل عثمان، والمدينة تئن تحت وطأة الفراغ، فكان الغافقي هو من تولى الإمامة والسيطرة المؤقتة على المدينة المنورة، يقود الناس في الصلاة، ويدير شؤون السلطة كما يراها، في لحظة شديدة الالتباس، بلا شرعية ولا عهد.
لم تدم ولايته غير أيام، لكنها كانت كافية ليتحول من ثائر إلى حاكم، ومن محاصر إلى سيد للموقف، حتى جاء الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتقلد الخلافة في أعقاب الفوضى، تراجع اسم الغافقي، وسقط من حسابات الدولة الراشدة، وربما سقط قتيلًا بعدها، في إحدى المعارك التي اشتعلت في أعقاب الفتنة الكبرى.
يقول عنه كتاب "تاريخ أمراء المدينة المنورة" لـ عارف أحمد عبد الغني:
الغافقي بن حرب العَكِّي:
أمير المدينة المنورة استيلاء في سنة 35هـ. في شوال سنة 35هـ كان على الناس الذين قدموا من الأمصار لقتل عثمان رضي الله عنه، وقد صلى بالناس بعد منع عثمان بن عفان الصلاة بالناس، وهو الذي شارك في قتل الخليفة عثمان، وبقيت المدينة بعد مقتله بلا أمير خمسة أيام وأميرهم الغافقي بن حرب هذا، يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر فلا يجدونه، حتى بويع علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وأرى أن ولاية المذكور دامت حوالي 45 يوماً منذ بدء الحصار حتى بعد مقتل الخليفة رضي الله عنه.