أضحت القوة العسكريّة شعار المرحلة الآنية، ويبدو أن هذا الشعار سوف يستمر إلى فترات ليست بالقصيرة؛ فقد تغيَّرت عقيدة التفاوض، وبدتْ صور النزاع في شتَّى ربوع العالم مسلَّحة، وهذا يرسم سيناريوهاتٍ غير مرضيَّة في الذهن البشريِّ قاطبةً؛ فجميعُنا يدرك أن الحروب تؤدي إلى خسائرَ فادحةٍ بين طرفيّ الصِّراع، أو لدى الدولة المُعْتدى عليها، التي لا تستطيع الردَّ على العدوان المباشر حينذاك.
ما نرْصده من عدوان متوالٍ من قِبل إسْرائيل، على بعض الدول، حتمًا سيؤدي إلى نتائجَ وخيمةٍ، على مستوى المُقدَّرات الماديّة، والبشريّة؛ فالنتائجُ التي تحْملها وسائل الإعلام المختلفة، تؤكد صور الدَّمار الشَّامل، لكل من البِنَى التَّحْتيّة، ناهيك عن إزْهاق الأرْواح، وتدْمير كل المُقوّمات الاقتصاديّة والخدميّة؛ فلا تنْجو الموانئ، والمطارات، والمخازن بتنوّعاتها، من قصفٍ مباشر مخطط له؛ بُغْية إضْعاف الدَّولة المستهدفة.
الحربُ الإسْرائيليّة الإيرانيّة، نرصد من مشاهدها، ما يؤكد في نفوسنا أن اللُّجوء للخيار العسكريّ بعيدًا عن طرق، وأساليب التَّفاوض، يُعدُّ تقْويضًا للغة الإنْسانيّة، التي يتوجّب أن نتمسّك بها، في تعاطينا لكافة القضايا الخِلافيّة؛ فالحوار لغةٌ للتفاهم، يُسهم في خلق الأزمات، والتوصّل في نهاية المطاف للحلول، التي يتقبلها الطرفان؛ ومن ثم يعتبر التخليّ عنه، بمثابة قرار للحرب، التي ستؤدي حتمًا إلى شلِّ الحركة المجتمعيّة لدى الطرفين؛ فعلى إثْرها تتعطّل الأعمال، وتصبح كافة المؤسسات الإنتاجيّة، خارج إطار الخدمة.
حالة الخوف، والرُّعب، والعَوز، والخشْية من تزايد أعمال العنف المتوقعة؛ فقد رأينا الاغتيالات المتكرّرة، سواءً للعسكريين، أو لمن يحْملون لواء العلم، ومن يساهمون في صناعة، واتِّخاذ القرار، وهذا ما يؤكد أنه لا مكان للقيم، والمبادئ، والحقوق، تُراعى في الحروب؛ فقد بدت الغاية تبرّر الوسيلة؛ ومن ثم نتوقع مزيدًا من الخروج عن المأْلوف، وللأسف الشديد هناك مجتمعٌ دوليٌّ، لا ينظر إلا لمصلحة إسْرائيل دون غيرها، وعلى إثر ذلك يقدّم كل صور الدعم للكيان المُعْتدى، وهنا نؤكد أن حالة الكراهيّة، التي تتمالك النّفُوس، لن تخلق المناخ الآمن للمنطقة طال الزمانُ، أو قصُر.
في الحروب، لا ينُظر مطلقًا إلى ضحايا الأبرياء، غير حاملي السِّلاح، ورائحة الموت تصبح أمرًا واقعًا، تتعايش معه المجتمعات المتناحرة، وبناءً على ذلك تبدو الحياة غير آمنة، وفي كل لحظة يتوقع الإنسان ما هو أسوء، وفي المقابل لا يعبأ مُتّخذو قرار الحرب بذلك؛ فلديهم قناعةٌ أن نتائج الحرب، وما يتم تحقيقه على الأرض، له ضحايا ينبغي أن تُقدّم في خِضمّ مستهدفات خطط لها، وتمت التعبئة العامة من أجلها.
المنطقة على صفيح ساخن؛ فالمتوقع كل ساعة من الأحداث يفوق الخيال، أو التّصُور؛ فثمّتْ سيناريوهات لم يُعْلن عنها، كما أن هنالك من الإجراءات، والقرارات ما تُتّخذُ، تُضير بالجميع، لا يُستثنى منها أحد؛ فقد تحدث معاناة شديدة، وغير متوقعة، تتمثل في حالات نقصٍ شديدٍ، سواءً في الحصول على الطاقة، أو الغذاء، أو الماء النَّظيف، أو حتى الهواء النَّظيف؛ فبات العدوان على المفاعلات النوويَّة الإيرانيَّة أمرًا واقعًا، وهناك توقعاتٌ تجاه حدوث تلوّث يُضير بالمنطقة بأكملها.
الحروب في منطقتنا، لها تداعياتٌ بعيدة المدى؛ فدون شكٍّ تتزايد الأمراض النفسيّة لدى المجتمعات، جرّاء صور الأذى الماديِّ، والمعنويِّ على السَّواء، وتتنامى حالات الانتقام من جيل إلى آخر، ويبدو التَّشرّد، والفقر، والجهل، من المظاهر الرئيسة، التي تكرّسها الحروب؛ لذا نتوقع أن تتراجع المجتمعات؛ لتعيشَ في عصورٍ من الظَّلام، والجهل، والتردِّي، على كافة المستويات؛ ومن ثم يصعب أن تنالَ طُمُوحها في اسْتكمال صور نهْضتها.
مؤشرات الحرب الإسرائيليّة الإيرانيّة، تتضح في تضخّم أسعار الطَّاقة بتنوعاتها المختلفة، وما نخشاه ضرْب مصادر النِّفط الاستراتيجيّة، التي يُضار منها كثير من دول العالم؛ فيصعب نقل إمدادات الوقود للدول؛ ومن ثم يتزايد الطلب عليه، بما يؤدي إلى المزيد من الضغوط الماديّة على كل الدول، بشكلٍ مباشرٍ، كما يُتوقع تراجع الأنشطة، التي تدعم استثمارات الدول، كالسّياحة، والتبادلات التجاريّة وغيرها، ناهيك عن صور النّزوح من مكان إلى آخر، بما يُضير بكافة الدول دون استثناء؛ لذا نؤكد أن المنطقة باتت على صفيح ساخن؛ ومن ثم نُدين العدوان الإسرائيليّ على إيران بصورة واضحة.. حفظ اللهُ مصرَ ومؤسساتنا الوطنيّة، وقيادتنا السياسيّة أبدَ الدَّهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر