أحمد إبراهيم الشريف

دعاة عصر مبارك .. مفاتيح لفهم الظاهرة

السبت، 14 يونيو 2025 11:40 ص


انتهيتُ مؤخرًا من قراءة الكتاب المهم "دعاة عصر مبارك.. سيرة سنوات التسعينيات"، والصادر عن بيت الحكمة، للكاتب الصحفي المتميز وائل لطفي، الذي يتبنى مشروعًا متكاملًا يتعلق بدراسة الدعاة الدينيين في مصر الحديثة وكشف علاقتهم بالمجتمع والسلطة والأفكار السائدة.

بدايةً، أود الإشارة إلى أهمية ما يقدمه وائل لطفي، فهناك ما يمكن أن نسميه بالدراسة "الضرورة" إن جاز لي أن أستخدم هذا المصطلح، وأقصد به أن هناك مناطق للدراسة، بالنسبة لمجتمعنا، تُعد "ضرورة"، ومن ذلك ما يتعلق بطرقنا في التفكير، وفي قلب ذلك يأتي موضوع "الدعاة"، فقد كان لهذه المجموعة من البشر تأثير كبير، يمكن القول إن كثيرًا مما نراه حولنا في الحياة اليومية يحمل جزءًا من أثر هؤلاء الناس، وبالتالي فإن دراستهم والتوقف عند تجاربهم الحياتية والفكرية أمر "ضروري"، وكان لا بد أن تُقام من أجله المراكز البحثية، وتهتم به الجامعات، ويوقف عليه الباحثون مشاريعهم، وها قد فعل وائل لطفي، وقدم لنا مجموعة من الكتب التي تمثل في مجملها سلسلة متكاملة، تأخذ برقاب بعضها وتقدم لنا قراءة لهذه الظاهرة، منها "دعاة عصر السادات"، و*"ظاهرة الدعاة الجدد"، و"دعاة السوبر ماركت"*.

واليوم نتوقف مع كتاب "دعاة عصر مبارك"، وحسبما يصف وائل لطفي في عنوان تمهيد الكتاب "مبارك والإخوان.. الحصاد المر"، سنجد في نهاية الكتاب أنه بالفعل كل ما جرى هو حصاد مرّ لكل ما حدث على الساحة. وتقوم فكرة الكتاب على أن هذه الفترة الخطرة من تاريخ مصر (الثمانينيات والتسعينيات) كان لجماعة الإخوان، دون الجماعات الإسلامية الأخرى، الأثر الأكبر في مسار الدعاة، فبعد اغتيال الرئيس السادات، قدمت جماعة الإخوان نفسها على أساس أنها "جماعة لا تدعو للعنف ولا تُكفِّر الدولة"، وبالتالي انتشرت وتوغلت -بطريقة ما– في كل النقابات والهيئات، وقبل أن تتنبه الدولة لخطرها الكبير، كانت قد مرت سنوات كثيرة من الانتشار حدث فيها الكثير وترتب عليها الكثير.

ويتوقف الكتاب بعد ذلك عند عدد من الدعاة الذين ذاع صيتهم في تلك الفترة، وقدم وائل لطفي مفاتيح لفهمهم، ومنهم يوسف البدري، ولعل الكلام المهم الذي نقله وائل لطفي عن الكاتب الكبير سليمان فياض، الذي تحدث عن يوسف البدري بقوله: "إنه عرفه في شبابه، وهو طالب يملك فرقة مسرحية ويقدم عروضًا ما في كلية دار العلوم"، لذا يبدأ وائل لطفي الحديث عن يوسف البدري بقوله: "مثل ممثل كوميدي يدخل إلى خشبة المسرح مندفعًا، دخل الشيخ يوسف البدري إلى عقد الثمانينيات"، نعم، كان يوسف البدري به من الجد والهزل ما يليق بممثل يحب الأضواء ويعرف كيف يُلقي "الإفيه"، وكيف يُضحك الجمهور ويُبكيه أحيانًا، وكيف يُمرر الرسائل التي يريدها. ولعل معركته مع عبد الصبور شاهين دالة على ذلك، فشاهين الذي سعى لتكفير الدكتور نصر حامد أبو زيد، وجد فجأة يوسف البدري يُكفره، وقد جعله ذلك يعلق بقوله: "هو راجل مجنون بشهادة الأطباء"، لكن الحقيقة التي يكشفها وائل لطفي أنه لم يكن مجنونًا، بل كان "ذئبًا سياسيًا متوحدًا"، وأنه طائفي، وأنه عنيف لفظيًا مع الجمهور، ومستكين أمام السلطة، وأنه يحب الأضواء ويسعى إليها، لذا عرف أن الهجوم ومقاضاة الفنانين والمثقفين والمشاهير سيحقق له أغراضه.
أما ياسين رشدي (أشهر دعاة الإسكندرية في تلك الفترة)، فيختلف تمامًا عن يوسف البدري، إنه رجل أنيق، تخرج في الكلية البحرية، وقضى جزءًا من حياته ضابطًا بحريًا، قبل أن يخرج من الخدمة عام 1965. كان متعاطفًا مع جماعة الإخوان ولو من بعيد، وكان يدير مسجد المواساة في الإسكندرية، وعمل على توسعته أكثر من مرة، وجعله مكيّفًا، في سابقة هي الأولى من نوعها في مساجد مصر. ولعل مفتاحه، الذي توصل إليه وائل لطفي، أنه "كان أول مصري يتشابه بشكل واضح مع نمط الوعظ البروتستانتي".

ومع ذلك، هناك جانب مهم يجمعه بيوسف البدري، هو الاهتمام بالمثير من الأمور، لذا راح ياسين رشدي يهتم بالطائفية ويزيد من نارها، كما كانت له معاركه مع السلفية العلمية، كما أنه كان من النماذج الأولى في مصر التي يتحول فيها الداعية إلى مؤسسة لها أذرع اقتصادية وإعلامية يديرها بشكل مباشر وصريح.

ويتحدث الكتاب عن علاقة الشيخ بالفنانة المعتزلة مديحة كامل، وشائعة زواجه منها، كما يُلقي الضوء على الحادث الغامض ومحاولة اغتياله، مما دفعه إلى الاعتزال حتى رحيله عام 2010.

ثم يأتي الحديث عن عبد الصبور شاهين، وتجربته التي تتسم، كما يذهب وائل لطفي، بكونه مثقفًا وأكاديميًا إسلاميًا انتقل من معسكر محاولة الإضافة للفكر الإسلامي النهضوي في الستينيات، إلى تبنّي الخطاب الإسلامي الشعبوي التكفيري في الثمانينيات.

ولعل الأزمة والمعركة الكبيرة التي خاضها ضد الدكتور نصر حامد أبو زيد، أكبر دليل على طريقة تفكير الرجل، كما أن دفاعه وانتماءه لشركات توظيف الأموال يكشف جانبًا آخر منه. وفي هذا الجزء، توقف وائل لطفي كثيرًا أمام شركات توظيف الأموال: كيف بدأت؟ وكيف انتهت؟ وما دور الإخوان في هذه القصة الكبرى؟

وتنتهي قصة عبد الصبور شاهين في الكتاب بما جرى له بعدما أصدر كتابه "أبي آدم"، إذ خرج عليه يوسف البدري مطالبًا بتكفيره، في مشهد أقرب إلى الكوميديا.

ثم يأتي الحديث عن عمر عبد الكافي، وقد أجاد وائل لطفي عندما وصفه في الكتاب بـ"المتضخم"، وهو كذلك بالفعل، أسلوبه، وإحساسه بنفسه، وفتاواه الطائفية، كلها تدل على ذات متضخمة، كما أن قصته كانت الأكثر تداخلًا مع السلطة، وحتى ارتباطه باعتزال الفنانات كان فيه الإحساس نفسه.

ومرة أخرى، يعود الكتاب لشركات توظيف الأموال، الذراع الاقتصادي لجماعة الإخوان حسبما يصفها الكتاب، ويتتبع كيف كان الملف يُدار، وكيف كان الأثر، وكيف تورط الشيوخ.

وقبل أن ينتهي الكتاب، يتوقف عند كريمان حمزة، الإعلامية التي فتحت الباب لهؤلاء الدعاة وأدخلتهم مبنى ماسبيرو، معتبرةً ذلك رسالتها لخدمة الدين وخدمة الله.

الكتاب، بقدر ما يتحدث عن فترة (سابقة)، فإنه يكشف أن الأثر لا يزال موجودًا، وأن طريقة تفكير هؤلاء الدعاة لا تزال مستمرة ومنتشرة، وإن تغيرت الأساليب بعض الشيء، وأن علينا أن نتنبه دائمًا لما يحدث في برّ مصر.

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب