مزراب الكعبة.. تحفة ذهبية تتحدث بلغة التاريخ والماء

يُعد مزراب الكعبة أحد أبرز المعالم المعمارية المتفردة في بيت الله الحرام، ويجمع بين الوظيفة العملية والدلالة الروحية والتاريخية.

يقع المزراب في أعلى الكعبة المشرفة من الجهة الشمالية، ويخترق سقفها ليصب المياه المتجمعة من الأمطار فوق سطح الكعبة إلى الأرض مباشرة في حجر إسماعيل، وهو ما يعكس عناية دقيقة بتصريف المياه وحماية البناء الشريف من التضرر.

يعود أول توثيق لمزراب الكعبة إلى ما قبل الإسلام، إلا أن أول مزراب وضعه النبي إبراهيم عليه السلام أثناء رفع قواعد البيت لم يكن مصنوعًا من الذهب، بل كان خشبيًا بسيطًا يؤدي غرضه الأساسي.
وبعد الإسلام، وتحديدًا في عهد الخليفة الأموي عبد الله بن الزبير، أُدخلت تحسينات معمارية على الكعبة، وكان من بينها وضع مزراب مذهب، ومنذ ذلك الحين أصبح للمزراب حضور دائم في ترميمات الكعبة عبر العصور.

ويُصنع المزراب اليوم من الذهب الخالص، ويُعاد تجديده عند الحاجة تحت إشراف مباشر من رئاسة شؤون الحرمين الشريفين.

ويصل طوله إلى نحو مترين، ويتخذ شكلًا مستطيلاً ينتهي بانحدار يسمح بتصريف مياه الأمطار بسلاسة نحو الحجر. ويتميز بجمالية الزخرفة الإسلامية والدقة في الصنعة، ما يجعله تحفة فنية إلى جانب كونه عنصرًا إنشائيًا.

ورغم أنه جزء من هيكل الكعبة، فإن مزرابها يلفت أنظار الزوار خاصة خلال موسم الأمطار، حيث تُسجل مشاهد مهيبة لانسياب الماء منه إلى حجر إسماعيل، في لقطة توصف بأنها من أجمل اللحظات التي يشهدها المسجد الحرام.
كثير من الحجاج والمعتمرين يرون في مشهد نزول الماء من المزراب لحظة روحانية خالصة، يستشعرون فيها القرب من الله والدعاء المستجاب، خاصة وأن حجر إسماعيل يُعد من مواضع الدعاء المستحب.

كما يتولى فنيو الرئاسة صيانة المزراب دوريًا لضمان استمرارية عمله، ويُراعى في تركيبه استخدام أفضل الخامات مع الحفاظ على أصالته التاريخية ومكانته الرمزية. ويؤكد المهندسون المشرفون أن تصميمه يجمع بين عبقرية الفكرة وبساطة التنفيذ، في نموذج معماري فريد لم يتغير جوهره منذ آلاف السنين.