تمتلك شبه جزيرة سيناء كل مقومات التحول إلى وجهة عالمية للسياحة العلاجية، بما تتميز به من موارد طبيعية فريدة، كعيون المياه الكبريتية، والرمال الساخنة، والمناخ الجاف المعتدل، فضلًا عن الأعشاب الطبية النادرة التي تنمو في جبالها وأوديتها. ومع اتجاه العالم إلى تقليل الاعتماد على الأدوية الكيميائية والعودة إلى الطبيعة، باتت سيناء مقصدًا مرغوبًا للسياحة الصحية والبيئية على حد سواء، خاصة مع تنامي الاهتمام الرسمي بتطوير هذا النوع من السياحة المستدامة.
وبحسب البيانات الرسمية لمحافظة جنوب سيناء، انه يعد "حمام فرعون" من أبرز مواقع السياحة العلاجية في جنوب سيناء، ويقع على خليج السويس، على بعد نحو 250 كم من القاهرة. ويتكون الموقع من مجموعة من الينابيع الكبريتية الساخنة التي تنبع من جبل حمام فرعون، بدرجة حرارة تبلغ 27 درجة مئوية، وبقوة تدفق تقارب 3000 متر مكعب يوميًا. وتنساب هذه المياه لتشكل بركة طبيعية تمتد بطول 100 متر على شاطئ البحر، ويعلوها كهف صخري محفور بالجبل، يستخدم كحمام ساونا طبيعي، نتيجة لانبعاث الأبخرة الكبريتية الساخنة من أسفله إلى أعلاه.
وتثبت التحاليل الكيميائية والبكتريولوجية والفيزيائية لمياه حمام فرعون مدى صلاحيتها وفعاليتها العالية في علاج أمراض متعددة، أبرزها: الروماتويد، الروماتيزم، أمراض الجهاز الهضمي، الكُلى، الكبد، حساسية الرئة، الأمراض الجلدية، إصابات الملاعب، بالإضافة إلى استخداماتها التجميلية. ويُعد تركيز الكبريت في هذه المياه من الأعلى عالميًا، وهو ما يعزز من فعاليتها العلاجية.
وتحيط بالمنطقة جبال وسهول واسعة مغطاة بالرمال الدافئة الناعمة، ما يتيح إمكانية استخدام العلاج بالدفن الرملي. وفي ضوء هذه الخصائص، يجري إنشاء أول منتجع صحي بيئي من نوعه في مصر والشرق الأوسط تحت مسمى منتجع حمامات فرعون، يدمج بين العلاج والاستجمام والأنشطة الرياضية في بيئة طبيعية متكاملة.
خدمات سيقدمها المركز العلاجي المرتقب ومن المخطط أن يوفر المركز المتكامل خدمات متنوعة تشمل العلاج بالتمارين الرياضية والتدليك، العلاج المائي، علاج الجسم الكامل، علاج الوجه والتجميل الطبيعي.
أما "حمام موسى" فيقع شمال مدينة الطور، وتنبع مياهه من خمس عيون كبريتية، تصل حرارتها إلى نحو 37 درجة مئوية. ويُستخدم هذا الحمام الطبيعي في علاج الأمراض الجلدية وأمراض المفاصل والروماتيزم، ويُعد مقصدًا شهيرًا للسياح والزائرين المحليين الذين يتوافدون للاستشفاء والتمتع بجمال الطبيعة المحيطة.
ومنطقة "عيون موسى" في رأس سدر تمثل مزيجًا فريدًا من القيمة التاريخية والدينية والعلاجية، إذ ارتبط اسمها بقصة عبور النبي موسى عليه السلام وهروبه من فرعون، حيث انفجرت اثنتا عشرة عينًا من المياه العذبة، باتت تعرف اليوم باسم "عيون موسى". وتضم المنطقة 21 عينًا للمياه، تتراوح حرارتها بين 35 و40 درجة مئوية، وهي غنية بالأملاح المعدنية، كالـ"صوديوم" و"الماغنسيوم"، التي تسهم في علاج أمراض الكلى والجهاز البولي.
وتقع العيون على بعد 25 كم من نفق الشهيد أحمد حمدي، ما يجعلها قريبة من القاهرة ومدن القناة. وتحيط بها واحة خضراء ممتدة على مساحة 3 كيلومترات مربعة، تتناثر فيها أشجار النخيل، وتشكل واجهة طبيعية ساحرة أمام مياه خليج السويس، فيما يمثل الجبل المحاذي خلفية مثالية للعلاج البيئي والسياحة التأملية.
ويعود الاهتمام بالمنطقة إلى العصور الوسطى، حيث كانت محطة للحجر الصحي للحجاج العائدين من الأراضي الحجازية. واليوم، تُعد عيون موسى من أبرز النقاط الجاذبة في جنوب سيناء، وينتظر أن تتحول مستقبلًا إلى مركز عالمي للسياحة العلاجية.
إلى الجنوب من مدينة رأس سدر، توجد "عين تراقي"، وهي نبع كبريتي طبيعي يمكن استخدامه لتطوير منتجعات استشفائية. كما يبرز "بئر أبو مرير"، وهو بئر عذب محاط بأشجار النخيل وغابات البوص، مما يجعله واحة طبيعية متميزة في المنطقة، ويعزز من فرص استثمارها سياحيًا.
ليست المياه والرمال وحدها ما يميز السياحة العلاجية في سيناء، فجبالها تزخر بأنواع نادرة من الأعشاب الطبية التي تجتذب الباحثين عن العلاج الطبيعي، لا سيما في منطقة سانت كاترين. ومن بين هذه الأعشاب: الزعتر: مفيد لعلاج الكحة والأمراض الصدرية، والحبق: يُستخدم لتخفيف المغص والرطوبة، والشيح: طارد للميكروبات ومسكن للمغص، والحنظل: يخفف من آلام الروماتيزم، والسموه: يساعد في علاج مرض السكر وبعض الأمراض الجلدية، والسكران: نبات له تأثير مخدر طبيعي، ويُستخدم في علاج القلب وتقلص العضلات، ويحظى هذا النوع من النباتات بإقبال كبير من السياح، في ظل التوجه العالمي نحو العلاجات البديلة والاعتماد على الطب الشعبي.
تمتلك سيناء كل المقومات التي تؤهلها لأن تكون وجهة رئيسية للسياحة العلاجية على مستوى الشرق الأوسط، سواء من حيث الموارد الطبيعية، أو المناخ، أو التاريخ الغني بالأساطير والموروثات الدينية. ومع وجود خطط حكومية لإقامة منتجعات علاجية بيئية على أسس علمية، فإن سيناء يمكن أن تصبح مركزًا إقليميًا وعالميًا يجذب السياح من مختلف أنحاء العالم للشفاء والاستجمام.
وإلى جانب القيمة العلاجية، فإن هذا النوع من السياحة يفتح آفاقًا جديدة للتنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل، كما يعزز من الصورة الإيجابية لمصر كسوق سياحية متنوعة وثرية. ويُنتظر أن يشكل الاستثمار في السياحة العلاجية أحد أعمدة التنمية المستدامة في سيناء خلال السنوات القادمة، خاصة في ظل التوسع المستمر في البنية التحتية، واهتمام الدولة بتحقيق أقصى استفادة من الثروات الطبيعية المميزة التي تزخر بها هذه البقعة الفريدة من أرض مصر.
المياه الكبريتية
جانب من مياه كبريتيه
جمال وشفاء
حمام فرعون
حمام موسي
مشهد من حمام فرعون
مناطق علاج وسياحة
مياه استشفاء
