سأكتب.. لا شيء يثبت أني أحبك غير الكتابة، كتبها الشاعر الجميل محمود درويش يومًا لصديقه سميح القاسم، وأنا أحب إبراهيم عبد المجيد، لذا سأكتب فلا شيء يثبت محبتي سوى الكتابة.
هذا ما يكتبه الكاتب والروائي مصطفى عبيد في محبة الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد في مقال يضمه كتاب "من قلب الإسكندرية إلى فضاء العالم..كتاب تذكاري عن الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد"، الصادر عن دار صفصافة للنشر والتوزيع والدراسات، وقام بجمع مقالاته ومحتواه من صور ومعلومات الشاعر سعدني السلاموني قائلًا "إن هذا الكتاب يضم بعض ملامح الرحلة الرائعة للكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد، وما به من مقالات أو صور فما هو إلا قليل جدا من فيض عظيم مما يستحقه، والحقيقة أن تأثير الكاتب وقيمته ومكانته أكبر بكثير مما يمكن أن تحتويه هذه الصفحات المحدودة.
في مقاله يتساءل عبيد من الذي لا يحب إبراهيم عبد المجيد؟ وهو السابق لجيله، العابر لزمنه، الناظر دومًا إلى الأمام، مشيرًا إلى أن عبد المجيد متآلف مع تطور التكنولوجيا وعصر السماوات المفتوحة والسوشيال ميديا رافضًا الفكرة السطحية بأن لكل زمن مسلماته وحواجزه، ليكتب لنا، متواكبًا مع العالم الافتراضي الجديد، رواية "في كل أسبوع يوم جمعة" حاكيًا عن أحداث إنسانية شديدة القسوة تدور عبر جروب فيسبوك.
روائي عظيم
السلاموني الذي جمع هنا عددًا من مقالات كبار الكتاب التي كتبت على فترات عن أعمال الكاتب، واصفًا إياها بأنها تنبض بحب الكاتب الكبير، يفتتح الكتاب قائلًا: قالوا قديمًا إنه من علامات العمل الجيد أو البديع حجم الخسارة التي سنشعر بها حين نتخيل أن هذا العمل لم يظهر إلى حيز الوجود، مشيرًا إلى أن هذه العبارة قد تكون مفتاحًا للحديث عن روائي عظيم بحجم إبراهيم عبد المجيد، مشيرًا إلى أن أعمال عبد المجيد قدمت رصدًا ثريًّا للمجتمع المصري عبر عقود مختلفة، ففي "بيت الياسمين" عشنا مع بطله تحولات مصر في السبعينيات، وفي " لاأحد ينام في الإسكندرية" رأينا الإسكندرية خلال الحرب العالمية الثانية، وقد غاص في أعماق المجتمع ورصد في أعماله قاهرة الثمانينيات والتسعينيات والألفية الثانية، وتأثر بثورة يناير المصرية وتناولها وما بعدها روائيًّا.
قلم مطيع
هناك شخصيات تفرض حضورها على الحياة، تصبح، ربما دون أن تقصد، كالشمس ترسل بخيوطها الذهبية إلى من حولها، تُحدث تأثيرا يحرك السكون، يلهم، يحفز، يُشيع حالة من البهجة، يغرينا بأمل غامض يلوح في الأفق. هكذا كتبت نوال مصطفى عن إبراهيم عبد المجيد في مقال لها في جريدة الأخبار مشيرة إلى أنه واحد من هؤلاء إذ استوقفها صدقه الفني ونفَسه الإنساني الواضح في أعماله، عبر كتاباته النابضة بالحياة، بينما يرى عمار علي حسن أن إبراهيم عبد المجيد لا يكف عن الهرولة وراء غير المألوف، وخلف ما يستحق التجريب بلا حدود، وما يمنحه فرصة كي يبدع على سجيته الروائية المتدفقة تخط على الورق ما شاء لها، تاركًا إياها تأخذه إلى أي مكان وأي زمان أرادته هي، وليس هو معها ولها سوى قلم مطيع، لا يملك حتى حق مراجعة ما جادت به السجية والقريحة والمشاعر للوهلة الأولى، لأنه يؤمن أن يفسد هذه الفطرة العفية، ويضع سدودا أمام هذا الخيال الجامح، فيغيب الذهن لصالح الوجدان ويشتعل الانفعال بما يحمله فلا يكون أمام الكاتب سوى أن يفرغ تلك الحمولة في أسرع وقت ممكن حتى لا تنفجر به أو فيه.
عاطف محمد عبد المجيد
حكاء من طراز فريد
هنا مقالات كتبت عن أعمال إبراهيم عبد المجيد، ومقالات أخرى كُتبت في محبته، كتبها كتّاب كبار منهم من رحل ومنهم من لا يزال على قيد الكتابة.
هنا نقرأ مقالات للدكاترة عبد الحميد إبراهيم، على الراعي، عمار على حسن، حامد أبو أحمد، محمد أبو السعود الخياري، إبراهيم منصور، ومقالات أخرى لمصطفى عبيد، منال رضوان، شهلا العجيلي، إيهاب الملاح، محمود عبد الشكور، نشوة أحمد، أحمد فضل شبلول. في حين تكتب الشاعرة الجزائرية حبيبة محمدي عنه قائلة إنه روائي كبير، وحكاء من طراز فريد، يكتب بعمق تغذيه التجارب الحياتية والخبرات الثقافية، عمق الفلسفة الحياتية الحقيقية وليس التصنع، عمق العارف بالحياة وآلامها، لكنه ينتقي الضحكة ويستبعد الآلام ليكتب عن الجوانب المضيئة في حياته فقط، يحمي ويحرس موهبته الأصيلة، بالتواضع الشديد، أما دفؤه الإنساني فلا يخطئه قلب صاف نقي.
أما الدكتور علي الراعي في مقاله فيذكر أن إبراهيم عبد المجيد أرسل إليه روايته ليلة العشق والدم عبر البريد ولم تكن بها أية معلومات عن كاتبها الذي تركها تتحدث عن نفسها، وقد تحدثت الرواية بالفعل حديثًا قصيرا، لكنه مضغوط استطاع به أن يحتوي حياة بأكملها امتدت أكثر من عشرين عامًا، وشملت شخصيات كثيرة، وقصصًا رئيسية وجانبية، كل ذلك، يذكر الراعي، في حيز ثمان وسبعين صفحة من القطع المتوسط.
البرزخ الرائع
هنا أيضًا نقرأ حوارًا لعبد المجيد أجراه معه حسين عبد الرحيم بمناسبة صدور روايته قاهرة اليوم الضائع، وفيه يقول لعبد الرحيم: إن الحب هو الإبداع في أعظم درجاته، ظاهرة لا تتوقف عند الشباب لكن التجارب السابقة تظل نهرًا للكاتب، والتجارب ليست ما يمر بك فقط، لكن ما تراه أو تعرفه ممن حولك أو حتى تقرأ عنه. ولأن الحب هو البرزخ الرائع بين السماء والأرض فسحره لا ينتهي، ويزداد السحر كلما تقدم الزمن. ومهما رأيت أو سمعت من تجارب سيئة أو فاشلة يتسع الفن لها بالغفران. في الفن درجة عالية من الزهد تكاد تصل إلى الفناء في قلب المحبوب أو جسده أو خياله وذكراه.
فيما يكتب د. محمد أبو السعود الخياري قائلًا: يمكنك أن ترى بوضوح صورة عالية الجودة للروائي إبراهيم عبد المجيد، يقف على رصيف محطة القطار، يترقب بشغف قطار الرواية وقت دخوله المحطة، وفي لحظة يغيب عن ناظريك وأنت الرقيب عليه..لقد قفز داخل القطار في فورة سرعته الأخيرة.
وهكذا ومحبة منه لإبراهيم عبد المجيد قدم سعدني السلاموني هذا الكتاب التذكاري، الذي يضم مقالات هي في الأساس شهادات محبة لكاتب كبير يستحق كل هذا الاحتفاء، ليكون مرجعًا لمن أراد أن يتعرف، ولو قليلًا، على عالم وكتابات إبراهيم عبد المجيد.