استطاعت المرأة المصرية، منذ نهايات القرن التاسع عشر، أن تفرض حضورها فى مختلف مجالات الحياة، لتصبح عنصرا فاعلا فى المشهد العملى والسياسى والتعليمى، وحتى الفنى.
وقد تألقت عبر العقود، أسماء نسائية بارزة تركت بصمات خالدة لا تزال تروى إلى يومنا هذا بكل فخر واعتزاز، باعتبارها جزءا أصيلا من تاريخ مصر وهويتها الحضارية.
ومن هذا المنطلق، سعينا إلى تتبع المصادر التى توثق مسيرات هؤلاء النساء الرائدات، بحثا عن شهادات تاريخية وسير ذاتية تنصف نضالهن، وتبرز أدوارهن الريادية فى تشكيل الوعى المجتمعى والثقافى المصرى.
ومن أبرز هذه المبادرات مشروعا «عاش هنا» و«حكاية شارع»، اللذان ينظمهما الجهاز القومى للتنسيق الحضارى التابع لوزارة الثقافة، حيث يسلطان الضوء على الرموز المصرية عامة، ومن ضمنها رموز نسائية أبدعن فى مجالات متعددة، من خلال لوحات تعريفية تخلد مواقع إقامتهن أو إسهاماتهن المجتمعية.
ورغم الجهود المشكورة التى تبذلها الوزارة فى هذا السياق، فإن واقع التوثيق لا يزال محدودا، ولا يعكس الكم الكبير والنوعى للرائدات المصريات اللاتى أسهمن فى نهضة الوطن، وهو ما تكشفه نظرة سريعة على معدل توثيق تجارب الرائدات السيدات، بالمقارنة بالرجال فى المشروعين سالفى الذكر «عاش هنا» و«حكاية شارع»، ما يؤكد أننا بحاجة إلى جهود أخرى تكشف للأجيال مدى إسهام المرأة المصرية فى بناء الوطن على مدى التاريخ.
من هنا، حرصنا أيضا، على تقديم عدد من المقترحات التى قد تسهم فى تعزيز الحضور الرمزى والثقافى للرائدات المصريات.
من منطلق الاعتزاز بالشخصيات الرائدة والاستثنائية، قررت وزارة الثقافة تكريم المبدعين والمبدعات من مختلف المجالات، وذلك تخليدا لأسمائهم وتقديرا لدورهم الفعال فى بناء الوطن، فتكريم هذه الأسماء اللامعة يعكس تقدير المجتمع لجهودهم، ويسهم فى إلهام الأجيال القادمة من أجل السير على نفس الخطى.

عدد الرجال 891 مبدعا و139 سيدة.. أبرزهن أم كلثوم وجيهان السادات وسهير القلماوى
لا نجد من المشاريع التوثيقية التى تهدف إلى حفظ ذاكرة المبدعين فى مصر، مثالا أفضل من مشروع «عاش هنا»، الذى أطلقه الجهاز القومى للتنسيق الحضارى عام 2017، بهدف توثيق المبانى والأماكن التى عاش فيها الفنانون، والسينمائيون، وأشهر الكتاب، والموسيقيون، والشعراء، وأهم الفنانين التشكيليين، بالإضافة إلى الشخصيات التاريخية.
وينفذ المشروع بالتعاون مع العديد من الجهات والمؤسسات الفنية، كما يستعين بالمهتمين والمتخصصين فى توثيق التراث الثقافى والفنى لضمان دقة المعلومات والبيانات التى يتم جمعها.
وتتمثل آلية تنفيذ المشروع فى وضع لافتة على المبنى توضح اسم الشخصية التى أقامت فيه، وتعرض نبذة مختصرة عن أهم إنجازاتها وتاريخها الفنى ويُرفق بهذه اللافتة رمز QR يمكن مسحه باستخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية الحديثة، ما يسهل الوصول إلى معلومات موسعة حول الشخصية المعنية.
ومن أبرز أهداف المشروع حرصه على المساواة بين الجنسين فى التوثيق، وعند زيارة الموقع الرسمى لمشروع «عاش هنا»، يمكن ملاحظة توثيق أسماء المبدعين والمبدعات فى مختلف المجالات، مع إمكانية تصفح المعلومات وفق الترتيب الأبجدى من الألف إلى الياء، ما يجعل من المشروع مرجعا ثقافيا غنيا ومتاحا للجميع.
لكننا عند البحث عن عدد السيدات المدرجة وفق الترتيب الأبجدى، فوجئنا بالتفاوت الهائل بين عدد السيدات وأعداد الرجال على النحو الموضح فى الجدول التالى:
بالنظر إلى الجدول يتبين، أن إجمالى الأسماء المدرجة فى مشروع عاش هنا 1029 شخصية، بلغ عدد الرجال فيها 891 بينما بلغ عدد النساء 139 سيدة أى ما يعادل 13.41%.



ويوضح الجدول التركيز على نساء مؤثرات فى الأدب والفن والموسيقى، مثل أم كلثوم وتحية كاريوكا ومديحة يسرى رضوى عاشور وغيرهن، كما يركز الجدول على توثيق النساء فى السياسة والتعليم مثل صفية زغلول ودرية شفيق ومفيدة عبد الرحمن وعائشة عبد الرحمن.
ويحاول المشروع التوزيع المتوازن جغرافيا وثقافيا، لكن تمثيل النساء ضعيف جدا يحتاج إلى زيادة كبيرة كى يقترب عددهن من عدد الرجال.
نحو توثيق عادل.. «اليوم السابع» تقدم 6 اقتراحات لوزارة الثقافة تعزز حضور الرائدات
بعد الإطلاع على مشروع «حكاية شارع» ومشروع «عاش هنا» نلاحظ أن نسبة تمثيل النساء ضئيلة مقارنة بالرجال، لذا من المهم السعى لتوسيع نطاق التوثيق لتشمل شخصيات مؤثرة لم تنال حقها الكافى ومن هنا سوف نضع مقترحات لزيادة نسبة توثيق الرائدات المصريات لإبراز أدوارهن وتوثيقها للأجيال المختلفة.
أولا: يمكن لوزارة الثقافة أن تضع نظاما يضمن المساواة بين الرائدين والرائدات فى مشروعى «حكاية شارع» و«عاش هنا»، بحيث يكون العدد متساويا فى كل عام.
ثانيا: تقدم جوائز أدبية باسم كاتبات وأديبات مصريات متميزات، مثل: مى زيادة، عائشة التيمورية، لطيفة الزيات، ونوال السعداوى، هذه الجوائز يمكن أن تُمنح سنويا للأعمال الأدبية المتميزة فى مجالات الرواية، القصة القصيرة، والمقال الأدبى، ما يسهم فى إبراز رموز نسائية وتخليد أسمائهن فى الذاكرة الثقافية.
ثالثا: يمكن لوزارة الثقافة أن تخصص قاعات عرض دائمة للفن التشكيلى تحمل أسماء رائدات هذا المجال، مثل جاذبية سرى وتحية حليم، وغيرهن من الفنانات اللواتى ساهمن فى تشكيل المشهد الفنى المصرى، هذه القاعات يمكن أن تُقام فى المتاحف أو قصور الثقافة، وتُعرض فيها أعمالهن وأعمال فنانات معاصرات، ما يسهم فى حفظ الذاكرة البصرية النسوية، ويشجع الأجيال الجديدة من الفنانات.
رابعا: ويمكن لوزارة الثقافة أن تختار «شخصية العام» لواحدة من الرائدات المصريات المؤثرات فى مختلف المجالات، فى إطار فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب، ويكون ذلك بمثابة تكريم رمزى يعيد تسليط الضوء على إسهاماتها، من خلال تخصيص جناح خاص لأعمالها، وتنظيم ندوات فكرية ونقاشات حول نتاجها فى مجال عملها، ما يساهم فى إحياء سيرتها وتقديمها لجمهور واسع من مختلف الأعمار.
خامسا: يمكن لوزارة الثقافة أن تخصص تكريما سنويا لإحدى الأديبات المصريات ضمن فعاليات «مؤتمر أدباء مصر» الذى يعقد كل عام، بحيث يتم اختيار أديبة ذات تأثير فى الحركة الأدبية لتكون محورا للنقاش والاحتفاء، من خلال ندوات، جلسات نقدية، ومعارض كتب خاصة بها، ويُعد هذا التكريم خطوة مهمة لترسيخ دور المرأة فى المشهد الأدبى الوطنى، وتعزيز حضورها فى الذاكرة الثقافية الجماعية.
سادسا: نتمنى من وزارة الثقافة اختيار سيدة من رائدات مصر ضمن البرنامج الاحتفالى الشهرى الذى تنظمه الوزارة، لتعريف الجمهور العام بإسهاماتها، على أن يتم الاحتفاء بها عبر مختلف قطاعات الوزارة، من قصور الثقافة، وقطاع الفنون التشكيلية، والهيئة العامة المصرية للكتاب، ودار الأوبرا، وأكاديمية الفنون، وحتى أكاديمية الفنون بروما، والمركز القومى للترجمة، ودار الكتب والوثائق القومية، بما يضمن تقديم صورة شاملة عن إنجازات المرأة المصرية فى مختلف المجالات.
حكاية شارع
