عدم المساواة يسيطر على جهود التعريف بالرموز المصرية.. من المسئول عن ضعف توثيق تجارب الرائدات المصريات؟ كفاح نسائى ينتظر الإنصاف.. نحو توثيق عادل "اليوم السابع" تقدم 6 اقتراحات لوزارة الثقافة

الإثنين، 26 مايو 2025 09:00 م
عدم المساواة يسيطر على جهود التعريف بالرموز المصرية.. من المسئول عن ضعف توثيق تجارب الرائدات المصريات؟ كفاح نسائى ينتظر الإنصاف.. نحو توثيق عادل "اليوم السابع" تقدم 6 اقتراحات لوزارة الثقافة عدم المساواة يسيطر على جهود التعريف بالرموز المصرية

كتبت بسنت جميل

استطاعت المرأة المصرية، منذ نهايات القرن التاسع عشر، أن تفرض حضورها فى مختلف مجالات الحياة، لتصبح عنصرا فاعلا فى المشهد العملى والسياسى والتعليمى، وحتى الفنى.

وقد تألقت عبر العقود، أسماء نسائية بارزة تركت بصمات خالدة لا تزال تروى إلى يومنا هذا بكل فخر واعتزاز، باعتبارها جزءا أصيلا من تاريخ مصر وهويتها الحضارية.

ومن هذا المنطلق، سعينا إلى تتبع المصادر التى توثق مسيرات هؤلاء النساء الرائدات، بحثا عن شهادات تاريخية وسير ذاتية تنصف نضالهن، وتبرز أدوارهن الريادية فى تشكيل الوعى المجتمعى والثقافى المصرى.

ومن أبرز هذه المبادرات مشروعا «عاش هنا» و«حكاية شارع»، اللذان ينظمهما الجهاز القومى للتنسيق الحضارى التابع لوزارة الثقافة، حيث يسلطان الضوء على الرموز المصرية عامة، ومن ضمنها رموز نسائية أبدعن فى مجالات متعددة، من خلال لوحات تعريفية تخلد مواقع إقامتهن أو إسهاماتهن المجتمعية.

ورغم الجهود المشكورة التى تبذلها الوزارة فى هذا السياق، فإن واقع التوثيق لا يزال محدودا، ولا يعكس الكم الكبير والنوعى للرائدات المصريات اللاتى أسهمن فى نهضة الوطن، وهو ما تكشفه نظرة سريعة على معدل توثيق تجارب الرائدات السيدات، بالمقارنة بالرجال فى المشروعين سالفى الذكر «عاش هنا» و«حكاية شارع»، ما يؤكد أننا بحاجة إلى جهود أخرى تكشف للأجيال مدى إسهام المرأة المصرية فى بناء الوطن على مدى التاريخ.

من هنا، حرصنا أيضا، على تقديم عدد من المقترحات التى قد تسهم فى تعزيز الحضور الرمزى والثقافى للرائدات المصريات.

 من منطلق الاعتزاز بالشخصيات الرائدة والاستثنائية، قررت وزارة الثقافة تكريم المبدعين والمبدعات من مختلف المجالات، وذلك تخليدا لأسمائهم وتقديرا لدورهم الفعال فى بناء الوطن، فتكريم هذه الأسماء اللامعة يعكس تقدير المجتمع لجهودهم، ويسهم فى إلهام الأجيال القادمة من أجل السير على نفس الخطى. 

ويعد «مشروع حكاية شارع» من أهم مشاريع الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، برئاسة المهندس محمد أبو سعدة، الذى بدء خلال 2017 ولا يزال يستكمله، فهو من ضمن المشاريع التى تحافظ على الهوية الثقافية وتعزز الوعى بالرموز التاريخية، ويسلط المشروع الأضواء على حياة مشاهير من علماء وساسة وزعماء، وضعت أسماؤهم على الكثير من الشوارع تخليدا وعرفانا بدورهم فى نهضة مصر كل فى مجال.
 
ويعمل التنسيق الحضارى على وضع اللوحات التى تحمل أسماء المبدعين على الشوارع الذى تم تسميتها بأسمائهم، من أجل توضيح سبب اختيار اسم الشخصية التى أطلق اسمها على هذا الشارع، ودور هذه الشخصية فى التاريخ المصرى فى مجالها، وتتضمن اللوحة تطبيق Q R يمكن من خلاله الاطلاع على مزيد من المعلومات عن الشخصية.
 
لكن بعد الاطلاع على الشخصيات المدرجة فى المشروع، وجدنا أن تمثيل النساء يكاد يكون معدوما، فى كل من القاهرة التاريخية والزمالك وجاردن سيتى ومصر الجديدة والقاهرة التاريخية والإسكندرية ومدينة نصر وبورسعيد، رغم أن مصر تزخر بالعديد من الشخصيات النسائية المؤثرة فى مجالات الفن، والعلوم، والسياسة، والثقافة، والتاريخ.
 
يحدث هذا رغم ما لمصر من تاريخ حافل بنماذج نسائية عظيمة، لا يمكن للزمن أن يمحو أثرهن.
 
ومن أهم وأبرز الرائدات المصريات سميرة موسى أول عالمة ذرة، ونبوية موسى رائدة تعليم البنات، وحكمت أبوزيد أول وزيرة مصرية، وهيلانة سيداروس أول طبيبة مصرية وراوية عطية أول برلمانية مصرية، ومفيدة عبد الرحمن أول محامية وغيرهن.
 
ومن هنا قمنا بإنشاء جدول بالأرقام عن نسبة وجود النساء مقارنة بالرجال فى المشروع حتى الآن.
 
18290-حكاية-شارع
ومن خلال النظر إلى الجدول، تبين أن إجمالى لوحات مشروع حكاية شارع 305 ووصل عدد الرجال المدرجة أسماؤهم إلى 295 رجلا، والنساء وصلن إلى 10 سيدات فقط وتقدر النسبة المئوية للنساء3.27%. 
 
ومن خلال الجدول، تبين أيضا أن قائمة الشخصيات النسائية تضم اسمين لشاعرتين بارزتين فى تاريخ مصر، هما عائشة التيمورية ومنيرة توفيق، كنا نأمل أن تشمل القائمة المزيد من الرائدات المصريات فى مختلف المجالات، مثل الطب والهندسة والمناصب الحكومية وغيرها. 
 
من جانبنا، تواصلنا مع مسؤول مشروع حكاية شارع للوقوف على السبب الرئيسى عن انخفاض هذه النسبة، حيث أكد المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، أن الجهاز لا يتحمل مسئولية اختيار أسماء الشخصيات أو المبدعين لإطلاقها على شوارع المحافظات، بل يقتصر دوره على تقديم المعلومات التاريخية الخاصة بهذه الشخصيات، وذلك من خلال مشروع «حكاية شارع».
 
وأوضح أبوسعدة، فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»، أن هناك لجنة متخصصة داخل الجهاز تتولى العمل على مشروع «حكاية شارع»، حيث تعتمد على أدوات مثل «جوجل إيرث» لرصد أسماء الشخصيات المرتبطة بكل شارع.
 
وأضاف أبوسعدة أن الجهاز بعد الانتهاء من مرحلة البحث والتوثيق، يتواصل مع وزارة التنمية المحلية للتنسيق بشأن وضع اللافتة التى تحمل اسم ومعلومات الشخصية فى المكان المناسب بالشارع.
 
وأشار إلى أن مشروع «عاش هنا» سلط الضوء على العديد من الشخصيات النسائية البارزة، مؤكدا أن الدولة تولى اهتماما متزايدا بمكانة المرأة، وهو ما يظهر ليس فقط فى إطلاق أسماء السيدات على الشوارع، بل أيضا فى إطلاق أسمائهن على محاور وكبارى حيوية فى مختلف المحافظات.
 
لكن الجدول التوثيقى لمشروع «حكاية شارع»، يرد على ما قاله رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، حيث يوضح الجدول أن المشروع لم يوثق أى أسماء نسائية فى محافظة الجيزة حتى الآن، بنسبة تمثيل «صفر%»، ما أثار تساؤلات عدة حول أسباب هذا الغياب الملحوظ، خاصة أن الجيزة أنجبت الكثير من الرائدات، راوية عطية أول نائبة بمجلس الأمة سنة 1957 وأول ضابطة فى الجيش المصرى.
 
كما أن الجيزة وبعيدا عن مشروع وزارة الثقافة سبق ووضعت أسماء رائدات على شوارعها، رغم أنها قليلة أيضا ولا تتساوى أو حتى تتقارب مع أسماء الرجال على الشوارع.
 
من هنا تواصل «اليوم السابع» مع جهة أخرى معنية بوضع أسماء للشوارع وهى المحافظة.
 
وقال دكتور مهندس عبد الله عبد العظيم، نائب رئيس مجلس مدينة الجيزة، أن عملية إطلاق الأسماء على الشوارع تتم وفقا لإجراءات إدارية دقيقة تعرف بـ«إدارة التسميات» بالجيزة، حيث يقدم ورثة الشخصية المقترحة «سواء كانت مبدعة أو مبدعا» طلبا رسميا إلى المحافظ، بعد ذلك يعرض المقترح على المجالس المختصة، كما يراجع من قبل جهات الأمن، للتأكد من عدم وجود أى خلفيات جنائية أو ملاحظات أمنية، ثم بعد ذلك يعرض على الجمعية المختصة للموافقة الرسمية، بعدها يتم إخطار الحي، ويعلن الاسم رسميا.
 
وأشار عبد العظيم، إلى أن أحد أبرز أسباب ضعف تمثيل النساء هو قلة المقترحات المقدمة لتكريم شخصيات نسائية، رغم ترحيب المحافظة الدائم بأى مبادرات مجتمعية تساهم فى تحقيق التوازن فى التسمية وتعكس تنوع المجتمع المصرى. 
 
وفى الوقت نفسه، قال عبدالعظيم، إنه إذا كان مشروع «حكاية شارع» لم يضع اسم سيدة رائدة على أى شارع فى الجيزة، فإن شوارع الجيزة بها عدد من الشوارع التى تحمل أسماء نسائية، بعيدا عن مشروع وزارة الثقافة، مثل شارع نوال فى الدقى، وشارع زينب محمد حسن، وهدى شعراوى، زبيدة ثروت فى منطقة الهرم.
 
وأكد عبد العظيم، أن المحافظة منفتحة على استقبال مقترحات جديدة تخلد رموزا نسائية تركت أثرا حقيقيا فى الحياة العامة المصرية.
 

عدد الرجال 891 مبدعا و139 سيدة.. أبرزهن أم كلثوم وجيهان السادات وسهير القلماوى

لا نجد من المشاريع التوثيقية التى تهدف إلى حفظ ذاكرة المبدعين فى مصر، مثالا أفضل من مشروع «عاش هنا»، الذى أطلقه الجهاز القومى للتنسيق الحضارى عام 2017، بهدف توثيق المبانى والأماكن التى عاش فيها الفنانون، والسينمائيون، وأشهر الكتاب، والموسيقيون، والشعراء، وأهم الفنانين التشكيليين، بالإضافة إلى الشخصيات التاريخية.

وينفذ المشروع بالتعاون مع العديد من الجهات والمؤسسات الفنية، كما يستعين بالمهتمين والمتخصصين فى توثيق التراث الثقافى والفنى  لضمان دقة المعلومات والبيانات التى يتم جمعها.

وتتمثل آلية تنفيذ المشروع فى وضع لافتة على المبنى توضح اسم الشخصية التى أقامت فيه، وتعرض نبذة مختصرة عن أهم إنجازاتها وتاريخها الفنى ويُرفق بهذه اللافتة رمز QR يمكن مسحه باستخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية الحديثة، ما يسهل الوصول إلى معلومات موسعة حول الشخصية المعنية.

ومن أبرز أهداف المشروع حرصه على المساواة بين الجنسين فى التوثيق، وعند زيارة الموقع الرسمى لمشروع «عاش هنا»، يمكن ملاحظة توثيق أسماء المبدعين والمبدعات فى مختلف المجالات، مع إمكانية تصفح المعلومات وفق الترتيب الأبجدى من الألف إلى الياء، ما يجعل من المشروع مرجعا ثقافيا غنيا ومتاحا للجميع.

لكننا عند البحث عن عدد السيدات المدرجة وفق الترتيب الأبجدى، فوجئنا بالتفاوت الهائل بين عدد السيدات وأعداد الرجال على النحو الموضح فى الجدول التالى:

بالنظر إلى الجدول يتبين، أن إجمالى الأسماء المدرجة فى مشروع عاش هنا 1029 شخصية، بلغ عدد الرجال فيها 891 بينما بلغ عدد النساء 139 سيدة أى ما يعادل 13.41%.

 

عاش هنا-1
 

 

عاش هنا-2
 

 

عاش هنا-3
ويوضح الجدول التركيز على نساء مؤثرات فى الأدب والفن والموسيقى، مثل أم كلثوم وتحية كاريوكا ومديحة يسرى رضوى عاشور وغيرهن، كما يركز الجدول على توثيق النساء فى السياسة والتعليم مثل صفية زغلول ودرية شفيق ومفيدة عبد الرحمن وعائشة عبد الرحمن.

ويحاول المشروع التوزيع المتوازن جغرافيا وثقافيا، لكن تمثيل النساء ضعيف جدا يحتاج إلى زيادة كبيرة كى يقترب عددهن من عدد الرجال.

 

نحو توثيق عادل.. «اليوم السابع» تقدم 6 اقتراحات لوزارة الثقافة تعزز حضور الرائدات

بعد الإطلاع على مشروع «حكاية شارع» ومشروع «عاش هنا» نلاحظ أن نسبة تمثيل النساء ضئيلة مقارنة بالرجال، لذا من المهم السعى لتوسيع نطاق التوثيق لتشمل شخصيات مؤثرة لم تنال حقها الكافى ومن هنا سوف نضع مقترحات لزيادة نسبة توثيق الرائدات المصريات لإبراز أدوارهن وتوثيقها للأجيال المختلفة.

أولا: يمكن لوزارة الثقافة أن تضع نظاما يضمن المساواة بين الرائدين والرائدات فى مشروعى «حكاية شارع» و«عاش هنا»، بحيث يكون العدد متساويا فى كل عام.

ثانيا: تقدم جوائز أدبية باسم كاتبات وأديبات مصريات متميزات، مثل: مى زيادة، عائشة التيمورية، لطيفة الزيات، ونوال السعداوى، هذه الجوائز يمكن أن تُمنح سنويا للأعمال الأدبية المتميزة فى مجالات الرواية، القصة القصيرة، والمقال الأدبى، ما يسهم فى إبراز رموز نسائية وتخليد أسمائهن فى الذاكرة الثقافية.

ثالثا: يمكن لوزارة الثقافة أن تخصص قاعات عرض دائمة للفن التشكيلى تحمل أسماء رائدات هذا المجال، مثل جاذبية سرى وتحية حليم، وغيرهن من الفنانات اللواتى ساهمن فى تشكيل المشهد الفنى المصرى، هذه القاعات يمكن أن تُقام فى المتاحف أو قصور الثقافة، وتُعرض فيها أعمالهن وأعمال فنانات معاصرات، ما يسهم فى حفظ الذاكرة البصرية النسوية، ويشجع الأجيال الجديدة من الفنانات.

رابعا: ويمكن لوزارة الثقافة أن تختار «شخصية العام» لواحدة من الرائدات المصريات المؤثرات فى مختلف المجالات، فى إطار فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب، ويكون ذلك بمثابة تكريم رمزى يعيد تسليط الضوء على إسهاماتها، من خلال تخصيص جناح خاص لأعمالها، وتنظيم ندوات فكرية ونقاشات حول نتاجها فى مجال عملها، ما يساهم فى إحياء سيرتها وتقديمها لجمهور واسع من مختلف الأعمار.

خامسا: يمكن لوزارة الثقافة أن تخصص تكريما سنويا لإحدى الأديبات المصريات ضمن فعاليات «مؤتمر أدباء مصر» الذى يعقد كل عام، بحيث يتم اختيار أديبة ذات تأثير فى الحركة الأدبية لتكون محورا للنقاش والاحتفاء، من خلال ندوات، جلسات نقدية، ومعارض كتب خاصة بها، ويُعد هذا التكريم خطوة مهمة لترسيخ دور المرأة فى المشهد الأدبى الوطنى، وتعزيز حضورها فى الذاكرة الثقافية الجماعية.

سادسا: نتمنى من وزارة الثقافة اختيار سيدة من رائدات مصر ضمن البرنامج الاحتفالى الشهرى الذى تنظمه الوزارة، لتعريف الجمهور العام بإسهاماتها، على أن يتم الاحتفاء بها عبر مختلف قطاعات الوزارة، من قصور الثقافة، وقطاع الفنون التشكيلية، والهيئة العامة المصرية للكتاب، ودار الأوبرا، وأكاديمية الفنون، وحتى أكاديمية الفنون بروما، والمركز القومى للترجمة، ودار الكتب والوثائق القومية، بما يضمن تقديم صورة شاملة عن إنجازات المرأة المصرية فى مختلف المجالات.


حكاية شارع
p.5
 



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة