أحمد شكرى

سيد ترامب.. شكراً جزيلاً.. أرجوك استمر!

الجمعة، 02 مايو 2025 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

السيد دونالد ترامب، لم تكن قراراتك التجارية موجهة لنا، لكن نتائجها حملت لمصر فوائد غير متوقعة.

فرضُك تعريفاتٍ جمركيةً قاسية على واردات الصين وأوروبا ودول شرق آسيا، منح المصنعين العالميين حافزًا جديدًا لاختيار مصر كقاعدة تصنيع والتصدير إلى الولايات المتحدة، نظرًا لانخفاض الرسوم على المنتجات المصرية مقارنةً بتلك المنتجة في الدول المتضررة.

وجد المستثمرون في الحرب التجارية فرصة سانحة، فتحولت مصر إلى وجهة آمنة للاستثمارات الصناعية الجانبية وسط هذه التوترات.
سياسات التعرفة الجمركية التي انتهجتها إدارة ترامب ضد بكين وعواصم صناعية كبرى سرَّعت من إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية.

فبدلًا من تحمل رسوم مرتفعة في أمريكا، بدأت شركات من الصين ودول أخرى التفكير جديًا في إنشاء مصانع لها في مصر للاستفادة من التعريفات المخفَّضة على صادراتها للولايات المتحدة.
على سبيل المثال، في قطاع النسيج والملابس الجاهزة، تواجه دول آسيوية منافسة مثل بنغلاديش وفيتنام تعريفات أمريكية وصلت إلى 37% و46% على التوالي، بينما تتمتع الصادرات المصرية بتعريفة منخفضة تبلغ نحو 10% فقط.

أحد كبار المستثمرين علّق على ذلك قائلاً إن واشنطن "فرضت على مصر أقل التعريفات... وفرضت أعلى بكثير على دول أخرى. هذا يمنح مصر فرصة كبيرة للنمو".
هذه الفرصة واضحة أمامنا، وكل ما علينا هو اقتناصها وتحويلها لمكاسب اقتصادية مستدامة.

وبالفعل، رصدنا خلال عامي 2024 و2025 تزايد تدفق الاستثمارات الصناعية من الصين وتركيا إلى مصر، سواء في مناطق اقتصادية خاصة أو مصانع جديدة، مما عزز مكانة مصر كجسر تصنيعي إلى السوق الأمريكية.

لم يقتصر الأمر على الاستثمارات المباشرة؛ فقد شهدت الأسواق المالية المصرية موجة من رؤوس الأموال الساخنة الباحثة عن العوائد المرتفعة.
جذبت مصر عشرات المليارات من الدولارات في شكل استثمارات بمحافظ الدين المحلي قصيرة الأجل، حيث تجاوزت هذه التدفقات 71 مليار دولار وفق بعض التقديرات الأخيرة.

هذه السيولة الأجنبية وفّرت زخماً للقطاع المالي وساعدت في تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي وثقة المستثمرين.
الجدير بالذكر أن البنك المركزي المصري تمكن منذ مارس 2024 من القضاء على نقص العملات الأجنبية في السوق الرسمية مع استقرار سعر الصرف، بالتزامن مع تراجع الضغوط التضخمية.
وهي مؤشرات إيجابية زادت جاذبية الاستثمار في الجنيه المصري وأدوات الدين الحكومية.

على صعيد آخر، استفادت المالية العامة من التطورات العالمية.
فقد أدى انخفاض أسعار البترول عالميًا نتيجة للتباطؤ والحروب التجارية إلى مستويات تدور حول 68 دولارًا للبرميل (مقابل 82 دولارًا مقدرة في الموازنة المصرية)، إلى خفض كبير في فاتورة دعم الوقود.

أعلنت الحكومة بالفعل عن خطط لتقليص مخصصات دعم المواد البترولية بأكثر من 50% في موازنة العام المالي 2025/2026، لتبلغ 75 مليار جنيه فقط، انخفاضًا من 154 مليار جنيه في العام السابق.
هذا التراجع في تكلفة الدعم يخفف الأعباء عن الموازنة العامة ويفسح مجالًا لإعادة توجيه الموارد إلى مجالات أكثر إنتاجية.

إضافةً إلى ذلك، بدأ البنك المركزي في خفض أسعار الفائدة لأول مرة منذ سنوات مع انحسار التضخم.
في أبريل 2025، تم تخفيض الفائدة الأساسية بمقدار 2.25% لتصبح 25% على الإيداع، مما يعني كبحًا تدريجيًا لتكلفة الاقتراض المحلي.

وللتذكير، كانت مدفوعات الفوائد تستنزف أكثر من 45% من إيرادات الدولة في السنة المالية 2022/2023، وهي نسبة ضخمة أثقلت كاهل الموازنة.
وعليه، فإن تيسير السياسة النقدية سيساهم في تخفيف أعباء خدمة الدين المحلي مستقبلًا، ويمنح الحكومة متنفسًا لتمويل الخدمات والاستثمار العام بدلًا من تكريس الجزء الأكبر من الإيرادات لسداد الفوائد.

لم تغب الدول الخليجية الشقيقة عن مشهد الدعم المتنامي للاقتصاد المصري.
على العكس، ازدادت وتيرة الاستثمارات الخليجية في مصر خلال 2024 و2025، في تأكيد على الثقة الإقليمية بمستقبل الاقتصاد المصري.

أعلنت السعودية عبر صندوقها السيادي عن استثمارات مباشرة قدرها 5 مليارات دولار في مصر كمرحلة أولى، وذلك بخلاف الودائع السعودية في البنك المركزي المصري.
كما اتفقت قطر ومصر على حزمة استثمارات قطرية مباشرة بقيمة 7.5 مليار دولار لتعزيز شراكة البلدين الاقتصادية.

وحتى الكويت، التي دعمت مصر سابقًا بودائع مالية، تدرس حاليًا تحويل نحو 4 مليارات دولار من ودائعها إلى استثمارات طويلة الأجل في السوق المصرية.
هذه التدفقات الخليجية ليست مجرد أرقام مالية، بل هي تصويت بالثقة على استقرار مصر وكونها وجهة جاذبة، خاصة في ظل تقلبات الأسواق الناشئة الأخرى.

وعلى الصعيد الدولي الأوسع، تواصل الدعم الأوروبي والإشادة الأممية بالاقتصاد المصري.
فعلى سبيل المثال، وقّعت شركات أوروبية في منتصف 2024 عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع شركاء مصريين بقيمة إجمالية تتجاوز 40 مليار يورو، وذلك ضمن مبادرة الاتحاد الأوروبي لتعزيز الاقتصاد المصري.

وقد صرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية بأن "استقرار وازدهار مصر ضروريان لمنطقة بأكملها"، مؤكدةً التزام أوروبا بدعم مصر عبر التمويل والاستثمار ونقل التكنولوجيا.
وبالتوازي، أشاد صندوق النقد الدولي بأداء الاقتصاد المصري عامي 2024 و2025.

فبحسب مديرته كريستالينا جورجييفا، أظهرت الإصلاحات المصرية "نتائج إيجابية"، معربةً عن ثقتها بأن مصر ستواصل تحقيق اقتصاد "ديناميكي ومزدهر" بفضل هذه الإصلاحات.
كما لاحظ خبراء الصندوق تحسنًا في النشاط الاقتصادي واستعادة احتياطيات النقد الأجنبي إلى مستويات آمنة، رغم التحديات الإقليمية.

هذه الشهادات الدولية تعزز مصداقية الاقتصاد المصري عالميًا وتبعث برسالة طمأنة للمستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية بأن البلاد تسير على الطريق الصحيح.

في الختام، قد يكون من المفارقة أن نقول "شكرًا جزيلاً، سيد ترامب".
فبرغم أن نواياك لم تكن يومًا مساعدة مصر، فإن ما أحدثته تعريفاتك الجمركية من إعادة تشكيل للتجارة العالمية صبّ في مصلحتنا بشكل غير مباشر.

لقد انتعش التصنيع في بلادنا، وتدفقت رؤوس الأموال والاستثمارات، وانخفضت تكاليفنا التمويلية، وانهالت شهادات الثقة من الشرق والغرب.
وعليه، لا يسعنا إلا أن نقدّم لك هذا الشكر الرمزي ونقول: من فضلك، استمر على نفس المنوال – فرب ضارةٍ نافعة!

 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة