سجل الذهب العالمي خلال الأسبوع الماضي أكبر تراجع أسبوعي له منذ نوفمبر 2023، متأثرًا بعدة عوامل أبرزها التهدئة في التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب صعود الدولار الأميركي وارتفاع عوائد السندات الحكومية، مما عزز من شهية المخاطرة وأضعف الطلب على المعدن الأصفر كملاذ آمن.
وهبط سعر أونصة الذهب بنسبة 3.6% خلال أسبوع، ليفقد أكثر من 120 دولارًا ويغلق عند مستوى 3204 دولارات، مقارنة بـ3325 دولارًا في بداية الأسبوع، بعد أن لامس أدنى مستوى له منذ أكثر من شهر عند 3120 دولارًا، ويُعد هذا التراجع جزءًا من موجة تصحيح بدأت منذ وصول الذهب إلى ذروته التاريخية عند 3500 دولار في أبريل الماضي.
هدنة تجارية وصعود الأصول عالية المخاطر
وجاء تراجع الذهب في أعقاب اتفاق أمريكي– صيني على هدنة بشأن الرسوم الجمركية المتبادلة، ما عزز من ثقة المستثمرين في الأصول المرتبطة بالمخاطر ودفعهم بعيدًا عن الذهب. كما أعطى الاتفاق دفعة لتوقعات إبرام مزيد من الصفقات التجارية الأمريكية مع قوى اقتصادية كبرى.
في الوقت ذاته، واصل الدولار الأمريكي ارتفاعه للأسبوع الرابع على التوالي، ليسجل أعلى مستوى له في شهر، مدعومًا بصعود عوائد السندات الحكومية، مما زاد من الضغط على الذهب بفعل العلاقة العكسية بين الطرفين.
وعلى الصعيد الجيوسياسي، عززت تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن اقتراب التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران من مناخ التهدئة العالمية، وهو ما انعكس في تراجع الطلب على الذهب كأداة للتحوط.
البنوك المركزية والصين في المقدمة
ورغم موجة التصحيح الحالية، يظل الطلب العالمي على الذهب عنصر دعم مهم، لا سيما من قبل البنوك المركزية والمستثمرين الصينيين. فقد أظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي أن أبريل الماضي شهد أعلى تدفقات لصناديق الذهب المتداولة منذ مارس 2022، بقيادة الصناديق الصينية.
كما واصل البنك المركزي الصيني تعزيز احتياطياته من الذهب للشهر السادس على التوالي، وفقًا لبيانات رسمية صادرة هذا الشهر.
ووفقًا لتقرير التزامات المتداولين الصادر عن لجنة تداول السلع الآجلة الأمريكية للأسبوع المنتهي في 13 مايو، سجلت عقود الشراء الآجلة للذهب ارتفاعًا طفيفًا بواقع 746 عقدًا، مقابل زيادة أكثر وضوحًا في عقود البيع بـ2034 عقدًا، ما يشير إلى تحركات مضاربية مختلطة، مع بداية عودة جزئية للطلب الاستثماري على الذهب.
تراجع حاد في مصر
في السوق المحلي، انعكست التراجعات العالمية على أسعار الذهب في مصر، حيث فقد الذهب عيار 21، الأكثر تداولًا، نحو 185 جنيهًا خلال الأسبوع الماضي بنسبة تقارب 4%، ليغلق عند 4540 جنيهًا للجرام، مقارنة بـ4725 جنيهًا في بداية الأسبوع، مسجلًا أدنى مستوى له منذ نحو خمسة أسابيع عند 4480 جنيهًا.
وساهم التراجع التدريجي في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في تخفيض تكلفة تسعير الذهب المحلي، مما عمّق من خسائر الأسعار.
وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 48.1 مليار دولار بنهاية أبريل، بزيادة قدرها مليار دولار منذ بداية 2025، ما يعزز من استقرار سوق الصرف.
ويأتي ذلك بالتزامن مع بدء المراجعة الخامسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، عقب صرف الشريحة الرابعة بقيمة 1.2 مليار دولار الشهر الماضي، وهي تطورات ساعدت في تهدئة سوق العملة محليًا.
فنيًا، أغلق الذهب العالمي الأسبوع فوق مستوى الدعم البالغ 3200 دولار للأونصة، بعد أن فشل في كسر المتوسط المتحرك لـ50 يومًا، مما ساعد على تقليص الخسائر، ورغم ذلك، لا يزال مؤشر الزخم يُظهر ميلاً طفيفًا نحو الهبوط مع اقترابه من المنطقة المحايدة.
في المقابل، أظهر الذهب المحلي عيار 21 ضعفًا واضحًا بعد كسره لمستويات 4700 و4600 جنيه، ليتذبذب حول 4550 جنيهًا للجرام، قبل أن يغلق دونه نهاية الأسبوع.
وتظل تحركات السوق خلال الفترة المقبلة مرتبطة بعدة عوامل، أبرزها مسار الدولار الأميركي، واتجاهات السياسة النقدية العالمية، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية ومدى استقرار سوق الصرف المحلي.