غدا تنعقد الجمعية العمومية للصحفيين فى نقابتهم مثلما يجرى طوال عقود كل عامين، والواقع أن ما يجرى فى سباق الترشح والمنافسة، أغلبه لا يختلف عما تم فى مرات سابقة، والانتخابات بشكل عام عملية تراكمية معقدة، تحتمل التربيطات والمناورات والخلافات والاختلافات، لكنها بقيت طوال الوقت ضمن المنافسات والنسب المسموح بها فى السخونة، بل وحتى تبادل الانتقادات بين اطراف العملية الانتخابية، وربما هناك أجيال لم يعاصروا مثل هذه الأجواء، بل وربما يكون منهم من لا يزال يتأثر بالدعايات والمتبادلة، والتى تميز أى نوع من السباقات.
وعلى مدى سنوات كانت نقابة الصحفيين من النقابات التى انتظمت فيها الانتخابات على مدى عقود، وكانت هناك مساحة لاستيعاب التناقضات، والاستقطابات، والدعاية أمر مشروع لكل طرف من الأطراف المتنافسة، وقد تتضمن الدعاية خشونة أحيانا، تبقى فى سياق مقبول ومشروع، بشرط ألا تصل إلى حد التجاوز والتشهير، مع الأخذ فى الاعتبار أن مواقع التواصل الاجتماعى تضاعف من هذه الظواهر، وتفتح المجال لبعض من يختفون خلف أسماء وصفات مجهولة، ظنا أنهم بعيدون عن المحاسبة، وبعد أن كانت هناك بعض الأسماء تتحول إلى كاركترات مضحكة، ظهرت أشكال من المنصات واللجان تلعب دورا يتسبب فى الفتن، تماما مثل دور يقوم به صناع الفتن الطائفية والصراعات العرقية، وهم من يسميهم أستاذنا صلاح عيسى» الثعالب الصغيرة التى تفسد الكروم» .
فى المؤتمر العام للصحفيين قلت إن الصحافة تواجه تحديات، وأن التحدى أمام الصحافة الورقية و الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعى، تتطلب صيغا مختلفة، وتعاملا متنوعا يتناسب مع التغيرات، والتوظيف أصبح مرتبطا بحم التدريب والخبرة من اللغات وكيفية استعمال الأدوات الجديدة مع الاحتفاظ بالمحتوى، وللأسف هناك كثيرون يختصرون التحديات فى أمور تقليدية غير مدركين لحجم التحول فى الشكل والمضمون، وأهمية التعامل بشكل متوازن مع التطورات التقنية التى هى فى النهاية قوالب لا تنفى أهمية المحتوى، بجانب أن مواقع التواصل والبوابات البحث والشركات التكنولوجية الكبرى تعتمد على منتجات المواقع الإخبارية، لكنها تدعم منتج المحتوى الفردى، وتجادل فى حق المؤسسات، وقلنا مرات إن التفاوض الجماعى من خلال النقابة والمجالس والجهات الكبرى، يمكن أن ينتج اتفاقات تخدم المهنة والتجارب، هناك حاجة لعمل جماعى يتطلب صبرا وتفهما، وليس « زعيقا ومعارك وهمية».
لكنى أرى أن بعض هذه القضايا تتراجع، لصالح الضجيج ، وتبدو أحيانا أقل شعبية وجماهيرية من الحديث عن البدل أو الخدمات المباشرة.
ولا يمكن بالطبع التعالى عن الخدمات أو الملفات الخاصة بالأعضاء، وفى نفس الوقت عدم فصلها عن قضايا المهنة والحريات، التى لا تنفصل عن التدريب، والتوظيف وتنمية الموارد، وقد تكون هناك مبالغة فى تقدير دور الذكاء الاصطناعى، لكن يظل تحديث القدرات التكنولوجية للصحفيين والمؤسسات ضرورة لاستمرار القدرة على الصمود والتطور، أدت الى تشابك وتقاطع بين أدوات ومنصات النشر، وسقطت الحواجز بين الصحافة والفيديو، بما خلق واقعا جديدا يجب أن يوضع أمام أعين كل من يقدم نفسه فى صدارة العمل العام.
ونعيد تذكير الزملاء بأنه لا أحد يمكنه الادعاء بأنه وحده حارس المهنة، أو عضو الفرقة الناجية، بل إن أهم ما حافظ عليه الصحفيون كان التنوع، واحترام رأى الجمعية العمومية، لأن بعض من يريدون تقديم أنفسهم بأنهم الأحق، يعودون عند الخسارة ليهاجموا الناخبين أو «يشتموا الشعب» وهى عادة انتزعت من المتطرفين عموما فى كل اتجاه، ممن يتصورون أن الجماهير تنتظر إشاراتهم لتتحرك إيمانا برؤاهم اللدنية وآرائهم العميقة، ويصور لهم غرورهم «الدوجاطيقى» أن الآخرين قطيع تابع لأفكار جناب سعادتهم، يقسمونها طوليا وعرضيا ومؤسساتيا وجهويا، أو إلى مؤيدين ومعارضين، فإن كانوا معه فهم «كويسين»، ولو كانوا ضده فهم غير فاهمين أو مدفوعين فى كل الأحوال هو ابتزاز رخيص، وغالبا ما تنتهى نظرية «الفرقة الناجية» للمتطرفين إلى صراع وصدام لا يفيد سوى «الثعالب الصغيرة».
الواقع يقول إن نقابة الصحفيين النقابة الوحيدة تقريبا التى انتظمت فيها الانتخابات وكانت هناك قدرة على استيعاب التناقضات، والاستقطابات، , النقابات انعكاس للشارع، والمجتمع، مع أهمية الفصل بين السياسى والحزبى، ولا أحد يزعم أنه وحده القيم على المهنة أو على الصالح العام، وخارج نطاقات أصحاب النظرة الضيقة، توجد الأغلبية التى تتأثر بالدعايات، وتميل لاختيار من تراه الأصلح مع الأخذ فى الاعتبار أن الاختيار الخاطئ، هو أحد بديهيات الديموقراطية، هناك دائما أقليات منحازة، بينها أغلبية تمثل الجمهور العام، و هو جزء من جمهور الناخبين فى الشارع الأكثر اتساعا، وقد حافظ الصحفيون على وحدتهم، دائما وتنوعهم، وهو ما ينسف مزاعم المدعين والمزايدين هنا وهناك، اليوم يتجمع الصحفيون ويتقابلون فى يوم يعتبرونه مناسبة للتنوع، والاحترام وليس للاستقطاب والصدام، مع التأكيد على أن ما تحقق فى النقابة تم بجهود أجيال متنوعة بل ومختلفة حافظت على توافق ووحدة واحترام للتنوع.
