منذ قيام الحركة الصهيونية، ومن بعدها تأسيس الكيان الصهيوني، وكان دائما الإبادة الجماعية والمجازر الدموية ضد الأبرياء العزل، منهجا وعقيدة لم يتخلى عنها أبناء الكيان، ليبدو الأمر وكأنه قناعة دينية، أو أفكار متوارثة تحمل أسس عقائدية لديهم، ولما لا خاصة وأن المجتمع الإسرائيلي يشهد نسبة كبيرة من التشدد والتعصب الديني، إذ ترى أغلب الطوائف المجتمعية هناك أنها على الطريق الصحيح وباقي الطوائف قد ضلوا عن المنهج التوراتي القويم.
وتشترك تلك الطوائف المتشددة في أن الدولة الإسرائيلية يجب أن تتخذ من التوراة ومن فتاوى كبار الحاخامات دستور ومنهج للدولة، وأصبح هذا الفكر هو السائد لدى رجال الحكم في إسرائيل ممن يتورطون يوميا في قتل الأبرياء، وتهجير الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني.
ويبدو أن هذا الفكر المتطرف، ليس وليد لحظة خروج الحركة الصهيونية إلى النور، لكن يتمتد إلى آلاف السنين، حيث يذكر الدكتور عصام سخنيني أستاذ التاريخ بجامعة البترا الأردنية في كتابه "الجريمة المقدسة" أن خطاب الإبادة الصهيوني يستمد شرعيته من التوراة وأسفارها، مشيرًا إلى أنه رغم وجود تعارض كبير بين الصهيونية باعتبارها حركة علمانية وبين التوراة بوصفها نصا دينيًا، إلا أن الأولى استغلت الشريعة اليهودية لتحقيق أطماعها الاستعمارية في فلسطين، وهو منهج سائد لدى الجماعات المتطرفة دينيًا، والتي تأخذ الدين قناعًا لأغراضها.
ويوضح الكتاب، عجلة الإبادة الصهيونية التي تدور في فلسطين منذ تأسيس الكيان عام 1948، اتخذ من الرموز والأساطير الكتابية -أو التوراتية- "مرجعية له يستوحي منها ما فعل الأسلاف لتطبيقه على الواقع الراهن"، وهو ما يتوافق مع تصريحات بيت هلحمي الأستاذ بجامعة حيفا، والذي يرى أن إسرائيل تتعامل مع كتابها المقدس بوصفه مرجعًا تاريخيًا يجب تكرار أحداثه التاريخية، ووفق هذه الرواية فإن إبراهام -أو نبي الله إبراهيم- كان أول من عهد إليه "يهوه" (الإله التوراتي) بأرض فلسطين التاريخية، واختص بهذا العهد من ذريته إسحاق، ثم يعقوب -أو إسرائيل- لتكون هذه الأرض من بعده ملكا لبني إسرائيل بحق إلهي مقدس.