- الاحتلال وضع التراب في فمي وعلى رأسي وكأنهم اعتقلوا رئيس أكبر منظمة إرهابية
- الاحتلال احتجزنا في محور نيتساريم 10 ساعات داخل سيارة إسعاف ولم يبال بصرخات النساء
- تواصلنا مع الصحة العالمية والأمم المتحدة لإنقاذنا وردوا علينا عدم امتلاكهم أي شيء لنا
- إسرائيل قدمتني لأكثر من ثلاث محاكمات ولم توجه لى أي تهمة
- أحد الأطباء طلب منى أخذ سيارة إسعاف ساعتين لدفن والديه وعاد للعمل فورا
- طبيب بمستشفى الشفاء دفن زوجته وابنه وأصر على استكمال عمله في المجمع
- هناك انخفاض عدد الأطباء العاملين في القطاع ولابد من معالجة هذا النقص
- مصر ظهرنا وسندنا في القضية والقاهرة الشقيقة الكبرى لكل الأمة العربية
هو أحد أبرز أيقونات القطاع الطبي في غزة الذين صمدوا في وجه بطش الاحتلال وإجرامه ضد المنظومة الصحية، كانت المستشفى التي يتولى رئاستها أولى المؤسسات التي شهدت اقتحام من جانب جيش الاحتلال في واقعة أثارت غضب عالمي، بعدما زعمت تل أبيب أن هناك أسلحة داخل المجمع، تحفظت عليه حينها بعد أن دمرت المكان بالكامل وأخلته من المرضى والنازحين، لينزح بعدها مع وفد من منظمة الصحة العالمية إلى الجنوب ولكن كانت المفاجأة هو تخلى الوفد عنه بمجرد توقيت الجنود الإسرائيليين له لتتركه يلقى مصيره داخل السجن ويتعرض لكافة أشكال التعذيب والتنكيل.
اقرأ أيضا:
سلوفينيا: نحتاج حل سياسى يحترم حقوق كلا الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى
كان خروجه من سجون الاحتلال بمثابة عيد للأطباء، خاصة بعدما فشل الاحتلال طيلة شهور اعتقاله في توجيه أي اتهام له مما شكل فضيحة للحكومة المتطرفة التي كيلت الكثير من التهم ضده، ولكن بمجرد خروجه لم يستلزم وعاد إلى المستشفى التي ترأسها ليكمل رسالته في مداواة آلام الجرحى رغم تلك التجربة القاسية التي عانى منها كثيرا، فبينما أراد الاحتلال من خلال اعتقاله إرهابه وتثبيط عزيمته عن إلا أنها جاءت بنتيجة عكسية فلما لبث إلا وزادت صموده وإصراره على تقديم نموذج للأطباء حول العالم عن كيف يقدم الطبيب حياته ووقته من أجل خدمة شعبه، إنه الدكتور محمد أبو سلمية مدير مجمع الشفاء الطبي في غزة.
خلال حوارنا مع محمد أبو سلمية، تحدث باستضافة حول تجربة الاعتقال القاسية للغاية، إلا أنها رغم قساوتها لم تثنيه عن العودة لعمله بمجرد إخلاء الاحتلال سبيله من المعتقل، كاشفا عن اللحظات الأولى للاعتقال كان التعذيب في محور نيتساريم بعدما أوقفه الاحتلال مع عدد من زملائه الأطباء النازحين من مستشفى الشفاء الطبي، وتعرضه للضرب والإهانة، والتحقيق معه بأصعب وسائل التحقيق من أجل استخلاص اعترافات مزيفة على لسانه إلا أنها فشلت في إجباره على الاعتراف بتهم لم يقترفها، بجانب حديثه عن الجهود التي يبذلها وزملائه لإعادة إعمار مستشفى الشفاء بعد وقف إطلاق النار، وعلاج آلاف الجرحى والمرضى الذين يترددون يوميا على المجمع الطبي، وغيرها من القضايا والموضوعات في الحوار التالي..
في البداية كيف ترى تعتمد الاحتلال ضرب المنظومة الصحية في غزة خلال الحرب؟
الاحتلال كان أحد عناوينه في هذا العدوان هو حرب على المستشفيات منذ اليوم الأول لهجومه على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023 وكان المستشفيات هدفا له داخل القطاع.

الدكتور محمد أبو سلمية الطبيب الفلسطيني
هل صمت المجتمع الدولى على استهداف الاحتلال لمستشفى المعمدانى في بداية العدوان كانت سببا في استمرار سياسته بقصف المنظومة الصحية بالقطاع؟
عندما قصفت إسرائيل مستشفى المعمداني واستشهد 500 شخص على الفور ولم يحاسبه أحد على هذه الجريمة، تجرأ الاحتلال بعد ذلك واعتدى على مستشفى الرنتيسى للأطفال ومستشفى مصر للأطفال ومستشفى العيون ومستشفى الدرة للأطفال ومستشفى الأندونيسي ثم اعتدى على مجمع الشفاء الطبي وقصف المجمع أكثر من مرة مما أدى إلى استشهاد الكثير من المرضى والنازحين ومن الكوادر الطبية أيضا حتى حاصر مجمع الشفاء الطبي .
كيف كان حصار الاحتلال لمستشفى الشفاء الطبي؟
إسرائيل فرضت حصارا كاملا في 10 نوفمبر 2023 وكنا في هذا المجمع تعبنا بعد هذه الفترة من الحرب بسبب المعاناة وكثرة الضحايا، حيث كان لدينا كثير الإصابات ما يعادل 750 إصابة بالمجمع وأكثر من 50 من الأطفال الخدج و50 من أمراض الغسيل الكلى والرعاية المركزة إلا أن تل أبيب لم تعبأ بكل هذه الأعداد واستهدفت المستشفى.
ماذا فعل الجيش الإسرائيلي خلال حصاره للمستشفى؟
الاحتلال قطع عنا الماء والكهرباء والأكسجين واستشهد عدد من الطواقم الطبي والمرضى والكثير الأطفال خدج، بجانب كل مرضى العناية المركزة، واضطرنا لترحيل الأحياء من الأطفال الخدج إلى مصر تحت وبائل من إطلاق النار وظروف سيئة للغاية.

الدكتور محمد أبو سلمية
ماذا حدث بالتحديد في 22 نوفمبر 2023؟
عندما وجدنا أن المستشفى لا تؤدى رسالتها ولا يمكن أن نقدم أي شيء لمرضانا فكان قرار منظمة الصحة العالمية بإخلاء المستشفى والانتقال إلى مستشفى غزة الأوروبي ونقل المرضى هناك.
في هذا اليوم اعتقلت قوات الاحتلال .. ما هو تفاصيل الاعتقال؟
بدأنا بالفعل ننفذ قرار الإجلاء والذهاب لمستشفى غزة الأوروبي، ولكن فوجئنا عندما ذهبنا بـ20 إسعاف و6 سيارات تابعة للأمم المتحدة و5 سيارات تابعة لمنظمة الصحة العالمية إلى محور نتساريم باعتقال الجنود الإسرائيليين لنا تحت مرأى ومسمع المنظمات الدولية والأممية وكنا في وضع حرج للغاية.
ماذا حدث معك في محور نتساريم قبل الاعتقال؟
عندما وصلنا لمحور نتساريم ظللنا هناك لمدة 10 ساعات ومغلق علينا الإسعاف ومعنا مرضى ونساء وأطفال ولم يسمح لنا حتى بقضاء حاجاتنا والنساء كانت تصرخ وتبكى وتصيح وكذلك الأطفال في مشهد غير إنساني، وتواصلنا مع منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة وردوا علينا بأنهم لا يملكون أي شيء لنا الآن ولم يستطيعوا التحدث مع الاحتلال.
كيف كانت ظروف اعتقالك داخل سجون الاحتلال؟
الاعتقال كان قاسيا للغاية منذ اللحظات الأولى، حيث كان التعذيب في محور نتساريم من خلال الضرب والإهانة ووضع التراب في فمي وعلى رأسي وكأنهم اعتقلوا رئيس أكبر منظمة إرهابية في العالم وهم يعلمون تماما أننى مدير مستشفى الشفاء الطبي وليس لدى أي نشاطات مع المقاومة، ثم تم التحقيق معي بأبشع صور في غرف التحقيق بالسجون الإسرائيلية .
هل تعرضت للتعذيب داخل السجون الإسرائيلية؟
بالفعل.. حيث كسر السجانين أضلعى، كما كسروا اليدين لأكثر من مرة وتعرضنا لتعذيب جسدي ونفسي وانخفض وزني 25 كيلو جرام، بالإضافة إلى التعذيب نفسي بشكل يومي، حيث لم نستطع النوم ولم يعطونا الفراشات التي تمكننا من النوم، ولم يكن هناك أي نظافة شخصية أو صابون للنظافة داخل الغرف أو الحمامات ولم نستحم طوال فترة الاعتقال، وكذلك لم نستطع حلق شعورنا لأكثر من 7 أشهر فكان الوضع غير إنساني داخل تلك المعتقلات خاصة أننى تنقلت في أكثر من سجن إسرائيلي، وهذا لم يحدث معي فقط بل واجهه كل الأسرى الفلسطينيين.
ما هي التهم التي وجهها الاحتلال لك؟
إسرائيل قدمتني لأكثر من ثلاث محاكمات ولم توجه لى أي تهمة، وهذا يدل على أننى خرجت من المعتقل لعدم وجود أي تهمة ضدي وهي إشارة بالاحتلال كان يكذب عندما زعم أن مجمع الشفاء الطبي قاعدة عسكرية للمقاومة.

محمد أبو سلمية مدير مجمع الشفاء
هل ترى أن خروجك من السجن مثل ضربة قوية للرواية الإسرائيلية التي كانت تتغنى بها أمام الغرب بشأن احتواء المستشفيات على أسلحة؟
نعم.. هذا يدحض أكاذيب الاحتلال بأن الفصائل الفلسطينية تمتلك الأنفاق والأسلحة في مستشفى الشفاء وتحتجز الرهائن فيه، وهذا ضمن أكاذيب عديدة رددتها تل أبيب عن غزة، خاصة أن هذه السردية كان تزعم بها تل أبيب عندما أدخلتنى المعتقل بدون أي تهمة، ولكن بعد خروجي بدون أي محاكمة ذهب كل ما كان تزعم به عم المجمع ومثلت صفعة لتلك الصورة الذي كان يصورها الإعلام الإسرائيلي عن الشفاء، والعالم كله عرف كذبها.
هل حاولت إسرائيل التغطية على فشلها في توجيه اتهامات لك بعد خروجك من السجن؟
بالتأكيد، حيث حاولت افتعال ضجة صاحبت خروجى من معتقلاتهم كي ترضي شعبها لأنها كان تصور للمجتمع الإسرائيلي أن مجمع الشفاء الطبي أكبر قاعدة للمقاومة والآن يتم خروج مدير المجمع بدون أي تهمة فهذا يدل أن هذا الاحتلال مجرم ويكذب على شعبه وعلى العالم، لذلك حاول إعلامها كيل اتهامات باطلة ضدي للتغطية على هذا الفشل.
ماذا فعلت بعد خروجك من السجن؟
بعد خروجى من السجن لم يكن لنا سوى أن نكمل مشوارنا في خدمة أبناء شعبنا في غزة، وما زالنا على رأس عملنا وسنقوم برسالتنا ومصرين أن نبقى بين الفلسطينيين ولن نتركهم أبدا، قررت بعد الإفراج عنى مباشرة العودة لعملى في مستشفى الشفاء لتقديم كل ما أستطيع تقديمه تجاه المرضى والجرحى.
هل هناك خطوات من أجل إعادة إعمار المستشفى التي تضررت من الاستهدافات المتكررة من جانب الاحتلال لها؟
نعم.. لدينا ملفات كبيرة في إعادة إعمار مستشفياتنا ونعمل على إعادة إعمار مجمع الشفاء الطبي في وقت قريب وسنخرج المرضى والجرحى للعلاج في الخارج وسنكون معهم وليس لدينا أي خيار أخر سوى البقاء مع أبناء شعبنا وأقسمنا قسم الطبيب أن نظل مع أهلنا الفلسطينيين نعالجهم وسنكون معهم لحظة بلحظة ونتمنى أن يستمر وقف إطلاق النار بشكل دائم.
أنت أحد من قدموا نموذج للطبيب الذي يضحى بنفسه من أجل شعبه .. كيف ترى البطولات الطواقم الطبية في غزة؟
الطواقم الطبية قدمت الكثير من الشهداء خلال العدوان الإسرائيلي، حيث أكثر من 1100 شهيدا و450 ما زالوا في الاعتقالات مثل الدكتور رأفت لبد مدير مستشفى الباطنة في مجمع الشفاء الطبي والدكتور عدنان البرش الذي استشهد خلال التحقيق معه بأدوات التعذيب في سجن عوفر والدكتور همام اللوح المسئول عن زراعة الكلى في مجمع الشفاء والدكتور حسام حماد المسئول عن قسم الأنسجة الوحيد في غزة، والدكتور باسل المهدي استشارى في أمراض النساء والتوليد والقائمة تطول في الشهداء نتيجة القصف المتعمد لكل من يخدم الشعب الفلسطيني، خاصة أن استهداف الاحتلال للأطباء والمستشفيات الهدف منها قتل أكبر عدد ممكن من المرضى والجرحى.
بعض الأطباء خرجوا من المعتقل.. هل لا زال هناك أطباء قابعين في السجون حتى الآن؟
نعم.. ما زال في سجون الاحتلال الدكتور أحمد الكلحوت مدير مستشفى كمال عدوان السابق والدكتور أحمد مهنا مدير مستشفى العودة، والدكتور رسلان أبو زهري رئيس قسم العظام في مستشفى ناصر، والدكتور حسام أبو صفية ، ولم أرى في التاريخ احتلال هدم المستشفيات واعتقال الأطباء والمرضى والجرحى إلا في غزة .
غزة تعرضت لحروب كثيرة من جانب الاحتلال عليها على مدار السنوات الماضية .. ما الفرق بين العدوان الحالي وسابقيه؟
لم نشهد هذا المشهد من الدمار والقتل في كل الحروب السابقة، حيث شاهدت أكثر من حرب على القطاع لكن لم تصل لهذه القساوة التي شهدنا في هذه الحرب والعدد الكبير من الضحايا سواء ضد المدنيين أو الطواقم الطبية، فهي مختلة تماما عن سابقيها سواء من حيث الفترة التي استغرقتها الحرب أو بشاعتها.
هل خلال عملك داخل القطاع خلال الحرب وجد أطباء يريدون المغادرة خوفا على حياتهم وأسرهم أو نظرا للإرهاق الشديد بسبب كثيرة الضحايا؟
بل على العكس.. في إحدى المرات جاء لى طبيب في مجمع الشفاء الطبي يطلب منى أن يأخذ سيارة الإسعاف ساعتين فقط ليذهب ليدفن والده ووالدته الذين استشهدوا قبل قليل بسبب غارات إسرائيل وأنه سيعود فورا للمستشفى لإكمال عمله، وكذلك شاهد ممرض يستقبل والده ووالدته شهداء في المستشفى ليدفنهم ويستكمل عمله وطبيب أخر استشهد زوجته وابنه فدفنهم ومارس عمله بعدها فورا، فالطواقم الطبية قدمت نماذج مشرفة خلال هذه الحرب.
ما هي التحديات التي تواجه القطاع الطبي في غزة الآن؟
هناك نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية، بجانب انخفاض عدد الأطباء العاملين في القطاع، نظرا لاستشهاد عدد كبير منهم، بجانب الطواقم الإسعافية التي فقدت الكثير من رجالها خلال نقلهم للجرحى، فلم يكون يهابون الرصاص وذهبوا لإنقاذ الجرحى فضحوا بأنفسهم، ولابد من معالجة هذا النقص بشكل عاجل.
ما هي رسالتك الأخيرة؟
أولا رسالة شكر لأهلنا في جمهورية مصر العربية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة المصرية والشعب المصرى الحبيب الذي نعتز به وهو بعدنا الاستراتيجي وظهرنا وسندنا في هذه القضية ونعلم أن مصر الحبيبة هي الشقيقة الكبرى لكل الأمة العربية والتي احتضنت القضية الفلسطينية منذ بدايتها ونتمنى أن يكون في القادم فتح معبر رفح بشكل كبير وإدخال مزيد من الجرحى والجرحى للعلاج خارج القطاع لأنهم كثيرون، حيث لدينا أكثر من 12 ألف مريض يحتاج للعلاج بالخارج من الإصابات الحرب وجرحى القلب والأطفال حدج ومرضى السرطان، فنحن نعرف مدى وقوف المصريين معنا وحبهم لنا حكومة وشعبا، فهي مصر العروبة والسند لهذه الأمة العربية ودائما بجانبنا كما عهدناهم، كما أوجه رسالة بضرورة إعادة إعمار غزة خاصة المستشفيات كي تتمكن من استقبال العدد الكبير من المرضى والجرحى.