في الصالة المغطاة باستاد القاهرة، وأمام أنظار العالم، يُرفع علم مصر ثلاث مرات على منصات التتويج في بطولة كأس العالم للجمباز، ثلاثة ميداليات برونزية غالية حصدها أبطالنا جودي عبدالله على جهازي المتوازي والحصان ، وعمر العربي على جهاز الحلق، وسط منافسة شرسة مع نجوم اللعبة من مختلف دول العالم، إنجاز بدا للكثيرين رائعا ومفاجئا، لكنه في الحقيقة لم يكن وليد الصدفة، بل كان ثمرة جهد سنوات طويلة من العمل والتخطيط، يقف خلفها اسم واحد لمع نجمه بقوة في سماء الرياضة المصرية الدكتور إيهاب أمين.
حين يُذكر اسم الدكتور إيهاب أمين في أوساط الرياضة، لا يمكنك إلا أن تبتسم اندهاشا وأنت تتذكر حجم التغيير الذي صنعه هذا الرجل في رياضة الجمباز المصرية، لم يكن الأمر مجرد تطوير إداري عابر، بل كان ثورة حقيقية على كل المستويات، ثورة جعلت الحلم حقيقة، وحولت الجمباز من لعبة محدودة الجمهور إلى قصة نجاح تليق بمصر ومواهبها.
قبل سنوات قليلة، لم يكن الجمباز يحظى بكل هذا الزخم، كانت اللعبة محصورة بين جدران الأندية الكبرى، تفتقر للدعم الجماهيري والاهتمام الإعلامي، لكن بفضل الرؤية التي يمتلكها د. إيهاب أمين الذي صمم على أن يأخذ بيد اللعبة واللاعبين نحو آفاق جديدة، حتى وإن بدت المسافة طويلة وشاقة.
بذكاء شديد، بدأ من القاعدة، وتوسع في نشر اللعبة داخل المدارس ومراكز الشباب، فتح الأبواب أمام آلاف الأطفال لاكتشاف شغفهم بالجمباز. اليوم، أكثر من 50 ألف ممارس للعبة في مصر، في مشهد كان يبدو مستحيلا قبل سنوات، لكن زرع الدكتور البذرة في أرض عطشى، وها هو يحصد أبطالا وأحلاما تتحول إلى واقع على منصات التتويج.
وعلى مستوى الأداء، لم يكتفِ بمجرد زيادة عدد اللاعبين، بل عمل على رفع مستواهم الفني ليواكبوا المعايير العالمية، استقدم خبرات أجنبية، أطلق معسكرات إعداد دولية، وحرص على تطوير المدربين والحكام بنفس القدر من الاهتمام الذي أولاه للاعبين، كل ذلك بميزانية محدودة أحيانا، لكن برؤية لا تعرف حدودا.
ولأن القائد الحقيقي لا ينتظر العالم ليمنحه الاعتراف، بل يصنع لنفسه مكانا بين الكبار، قاد إيهاب أمين مصر لاستضافة بطولات عالمية ضخمة مثل كأس العالم للجمباز الفني ثلاث سنوات متتالية، فمن كان يصدق أن القاهرة ستتحول إلى قبلة لنجوم الجمباز من كل أنحاء العالم؟ من كان يراهن أن مصر ستنظم بهذه الاحترافية والنجاح، فتجبر الجميع على احترامها؟
كما حمل الرجل طموحا أكبر برئاسته للاتحاد الإفريقي للجمباز، ونقله لمقره إلى القاهرة، ليدشن القاهرة عاصمة اللعبة في أفريقيا، وكان المشهد أكثر فخرًا حين فاز بدورة جديدة بالتزكية، ليؤكد أن مكانته لم تأتِ من فراغ، بل من ثقة قارة بأكملها في قيادته، ولم يكتف بذلك فقد أصبح عضوا في المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي للجمباز ليضع بذلك مصر في قلب معادلة اتخاذ القرار، فلم تعد القاهرة تتابع ما يحدث في العالم فحسب، بل أصبحت تشارك في صنعه.
وفي رأيي الشخصي، ما حققه الدكتور إيهاب أمين لا يجب أن يبقى تجربة فردية، بل يجب أن يكون نموذجا يُحتذى به، إن الألعاب الفردية في مصر تملك كنوزا من المواهب تنتظر فقط من يكتشفها وينميها. ولهذا، فإنني أدعو باقي رؤساء الاتحادات الرياضية، خاصة في الألعاب الفردية، إلى أن يسيروا على خطاه.. أن يحلموا، يخططوا، ينزلوا إلى أرض الواقع، ويؤمنوا أن الرياضة المصرية تستحق أن تتصدر العالم.. "فالجمباز كان يحبو... فصار الآن يحلق" ومصر قادرة أن تجعل كل ألعابها تطير، فقط لو تكرر نموذج القائد الحالم والمثابر الذي جسده الدكتور إيهاب أمين.