نجح البابا فرانسيس ، على مدى فترة توليه الفاتيكان الـ 12 عاما ، من إحداث تغييرات جذرية في الكنيسة الكاثوليكية ، وعندما انتخب الأرجنتيني فرانسيس في 13 مارس 2013، كان بمثابة طوق النجاة للكنسة في هذا الوقت ، ورغم صغر سنه، فقد عمل بلا كلل لنشر رسالة الكنيسة، فاستقبل الزعماء السياسيين والدينيين والاجتماعيين في الفاتيكان، وسافر إلى أكثر من 60 دولة.
وبفضل أسلوبه المبتكر وطبيعته الدافئة والمتواضعة وخططه الإصلاحية، أطلقت عليه مجلة تايم لقب "شخصية العام" في عام 2013.
أهم خمسة إنجازات حققها البابا فرانسيس خلال بابويته وما تمكن من تغييره في الكنيسة الكاثوليكية.
1- أول بابا من أمريكا اللاتينية

كان فرانسيس أول زعيم للكنيسة الكاثوليكية من دولة أمريكا اللاتينية، وليس هذا فحسب، بل كان أيضًا الأول في القارة الأمريكية بأكملها وفي نصف الكرة الجنوبي، لقد مثّل انتخابه انعكاسًا للتغيير الديموجرافي الكبير الذي شهدته الكاثوليكية في القرن الماضي.
في حين كانت أوروبا في عام 1910 موطنًا لنحو ثلثي جميع الكاثوليك في العالم، فإن ما يقرب من نصفهم اليوم (48%) موجودون في الأمريكتين، وفقًا لبيانات المكتب المركزي لإحصاءات الكنيسة لعام 2022. ومن بين هؤلاء، يوجد 28% في أمريكا الجنوبية.
إن جنسية البابا فرانسيس تفسر جزئياً لأسلوبه الودود وروح الدعابة لديه، وهما من السمات الشخصية التي انتشرت على المستوى الهيكلي.
وكتب ستان تشو إيلو، أستاذ متخصص في المسيحية والدراسات الأفريقية في جامعة دي ، "لقد غيّر البابا فرانسيس الطريقة التي تنقل بها الكنيسة الكاثوليكية رسالتها"، وكان أسلوبه أيضًا مفتاحًا لبعض المعالم البارزة في السياسة الدولية التي قادها، مثل وساطته في ذوبان الجليد في العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا. وهذا ما قاده إلى الجزيرة في عام 2015 حيث التقى فيدل كاسترو.
كانت رحلته الأولى إلى الخارج كبابا إلى البرازيل، التي تعتبر الدولة التي تضم أكبر عدد من الكاثوليك في العالم. وعلى مر السنين قام أيضًا بزيارة بوليفيا وتشيلي والإكوادور والمكسيك وباراجواي وبيرو، ولم يذهب قط إلى بلده الأصلي الأرجنتين خلال فترة بابويته التي استمرت 12 عامًا.
وجلب البابا فرانسيس ثراء للكنيسة من حيث الأسلوب المختلف في التعامل مع القضايا، سواءً في المجال الأخلاقي أو في الكنيسة ككل، وأعتقد أنه باكورة موجة جديدة ستُنعش الكنيسة من موقعها الذي يتواجد فيه غالبية الكاثوليك.
2- أول بابا يسوعى

كان البابا فرانسيس أول عضو في جمعية اليسوعيين يتولى قيادة الكنيسة الكاثوليكية، وتتميز الرهبنة اليسوعية بروحانيتها، ورسالتها في المصالحة، وفوق كل شيء التزامها بالعدالة الاجتماعية، وهو الأمر الذي لا يزال ينظر إليه بعين الريبة من قبل القطاعات الأكثر محافظة في الفاتيكان. ومنذ اليوم الأول، أظهر البابا الجديد أصوله الدينية، داعياً إلى التقشف والتواضع.
حتى الاسم الذي اختاره، فرانسيس، كان يروق لروحه البسيطة، تكريماً للقديس فرانسيس الأسيزي، بما يتماشى مع هدف الأرجنتيني في إقامة "كنيسة فقيرة وللفقراء".
وبعيدا عن البذخ المعتاد في مراسم تنصيب زعيم كاثوليكي جديد، رفض البابا فرانسيس استخدام سيارة الليموزين البابوية وأصر على مشاركة الحافلة التي نقلت الكرادلة الآخرين إلى منازلهم.
كما رفض أيضًا العيش في القصر ، وانتقل بدلاً من ذلك إلى مقر إقامة سانتا مارتا المجاور، حيث عاش في شقة مساحتها 40 مترًا مربعًا، وفقًا لجييرمو ماركو، وهو كاهن من أبرشية بوينس آيرس.
وعلى نفس المنوال، كانت زيارته الرسمية الأولى كبابا إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، التي يصل إليها آلاف المهاجرين من الساحل الأفريقي كل عام.
وأسس مبادرات لتوفير السكن والخدمات الطبية والغذاء لأفقر قطاعات روما، وقد شوهد أيضًا في الليل وهو يتجول في شوارع المدينة لتوصيل الطعام.
وتماشياً مع هذا التقشف، سعى أيضاً إلى جعل الحسابات التاريخية الغامضة للكنيسة شفافة، على سبيل المثال، في فبراير 2014، أنشأ أمانة الاقتصاد للإشراف على مالية الفاتيكان.
3- الحوار بين الأديان

وفي تحليل آخر كتب ماثيو شملز، أستاذ الدراسات الدينية في كلية الصليب المقدس في الولايات المتحدة، أن "فرانسيس فتح الكنيسة على العالم الخارجي بطرق لم يفعلها أي من أسلافه من قبل".
وكان للبابا اتصال دائم مع الديانات الأخرى، بما في ذلك اللقاءات التاريخية مع زعماء الإسلام واليهودية.
على سبيل المثال، وقع وثيقة الأخوة الإنسانية مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب، لتعزيز السلام والتعايش بين أتباع الديانات المختلفة.
كما أكد البابا فرنسيس هناك على "أهمية التعاون والصداقة بين الطوائف الدينية حتى تتمكن من خلال تنمية الحوار مع الاحترام المتبادل.
وفيما يتعلق بالأديان المسيحية المختلفة، بذل فرانسيس جهوداً كبيرة لرأب الصدوع. وقد حقق تقاربًا تاريخيًا مع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية وعمل مع الأنجليكان واللوثريين والميثوديين.
وكتب تشو إيلو أن البابا "قوض أسس" المواقف الأكثر محافظة في الفاتيكان من خلال "الانفتاح على الاستماع إلى أصوات الجميع، بما في ذلك أولئك الذين لا يتفقون مع موقف الكنيسة".
وبحسب الباحث، "فإن ذلك أدى إلى تغيير أولويات وممارسات الكنيسة الكاثوليكية فيما يتصل بقضايا أساسية مثل السلطة ".
4 – الإدماج

وبحسب البابا فرنسيس فإن "أبواب الكنيسة لا تغلق أمام أحد"، ولا ينبغي لها أن تتدخل "روحياً" في الحياة الشخصية، لأن "الله، في الخلق، جعلنا أحراراً"، وبهذا المعنى، كان أول بابا يسمح للكاثوليك المطلقين بتلقي القربان المقدس.
ولعل العبارة الأكثر شهرة التي قالها خلال بابويته كانت: "إذا كان الشخص مثليًا، ويطلب الرب، ولديه إرادة طيبة، فمن أنا لأحكم عليه؟".
وفيما يتعلق بالمسائل الجنسية، أيد البابا فرانسيس العقيدة الكاثوليكية التي تسمح فقط باستخدام وسائل منع الحمل الطبيعية، مثل العزوبة والامتناع عن ممارسة الجنس.
ولكنه دعم النقاش حول هذه القضية، معترفاً بأن الواقيات الذكرية وسيلة فعالة للوقاية من الفيروسات مثل الإيدز وزيكا.
5- دور المرأة

تمسك البابا فرانسيس بالتقاليد الكاثوليكية وعارض رسامة النساء كاهنات، وقام بتغييرات بعيد المدى فتحت الأبواب أمام الدور القيادى للنساء.
كان البابا فرنسيس أول بابا يُعيّن امرأةً على رأس مكتب إداري في الفاتيكان. ولأول مرة، أُدرجت النساء في الهيئة المكونة من 70 عضوًا والتي تختار الأساقفة، وفي المجلس المكون من 15 عضوًا والذي يُشرف على مالية الفاتيكان. كما عيّن راهبة إيطالية، الأخت رافاييلا بيتريني، رئيسةً لمدينة الفاتيكان.
وبالإضافة إلى ذلك، عين في يناير سيمونا برامبيلا حاكمة للفاتيكان، لتصبح بذلك أول سيدة في التاريخ تتولى هذا المنصب.