يحاول لبنان النهوض بعد سبات عميق فرضته عليه ظروف اقتصادية وسياسية منذ عهد الرئيس السابق ميشال عون ؛ واشتدت الأزمة الاقتصادية منذ عام 2019 وكان لها تداعيات على مختلف القطاعات، مما جعل لبنان فى حاجة إلى دعم مالي كبير، ولكنه مطالب بإجراء إصلاحات مالية واقتصادية تشمل إعادة هيكلة القطاع المصرفي، واستعادة ثقة المجتمع الدولي والجهات المانحة.
وتطورت الأوضاع للأسوأ بعد مواجهات عسكرية مع جيش الاحتلال لا تزال مستمرة وإن كانت بوتيرة أقل فى الجنوب؛ ما عمق أزمات بلاد الأرز.
منذ تولى الرئيس جوزيف عون الرئاسة و حكومته التى عرفت فى لبنان باسم "حكومة العهد"، وضعت خطة شاملة للنهوض الاقتصادي بالتوازي مع محاولات تحقيق الاستقرار السياسي والأمني فى الجنوب .
مسار معقد
فى هذا السياق تقدم لبنان بطلب للحصول على قرض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؛ وهو ما يتم مناقشته خلال اجتماعات البنك والصندوق الدوليين المنعقدة حاليًا فى واشنطن ، بحضور وفد لبنانى من 16 شخصية تقنية وسياسية يحاول التوصل إلى اتفاق مع الصندوق .
وفى الوقت الذى يوقع فيه الوفد اللبنانى المشارك فى اجتماعات الربيع اليوم مع رئيس منطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي جان كريستوف كاريه، على اتفاقية القرض الذي سيقدمه البنك بقيمة 250 مليون دولار والذي سيوظف لمعالجة موضوع الكهرباء لا سيما شبكات النقل ؛ يبدو مسار الاتفاق مع الصندوق معقدًا؛ للحصول على تمويل طال انتظاره بقيمة 3 مليارات دولار كجزء من دعم أكبر بقيمة قد تصل إلى 12 مليار دولار؛ حيث يحاول الوفد اللبناني برئاسة ممثلة رئيس الحكومة نواف سلام لميا مبيض وعضوية وزيري المالية ياسين جابر والاقتصاد عامر البساط، وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، ورؤساء لجان نيابية ومديرين عامين ومستشارين من مختلف المرجعيات السياسية، تقديم ضمانات للصندوق للقبول بمنح لبنان القرض.
حزمة إجراءات
فى هذا الإطار اتخذ لبنان حزمة من الإجراءات من بينها تعديل قانون السرية المصرفية؛ حيت تعقد الهيئة العامة اجتماعا غدا لإقراره إضافة إلى إقرار مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف.
وأقر مجلس النواب اللبنانى في جلسته، السبت الماضى ، مشروع قانون إعادة هيكلة تنظيم القطاع المصرفي، ومن جانبه قال وزير الإعلام المحامي بول مرقص قوله، "سنحقق في غضون أسابيع قليلة رزمة إصلاحية يحتاجها لبنان واقتصاده وقطاعه المصرفي، وخصوصا صغار المودعين"، وأعلن أن الحكومة ستنكب على إعداد مشروع قانون معالجة الفجوة المالية الذي يسمح بإعادة التوازن للانتظام المالي.
وذكر مرقص أن الحكومة سبق أن أقرت مشروع قانون يرمي إلى إجراء تعديلات على قانون السرية المصرفية كشرط ضروري للمحاسبة، موضحاً أن أموال المودعين ولا سيما صغار المودعين تتمتع في مشروع القانون الذي اقر اليوم بالأولوية في حماية الودائع.
ورغم هذه الخطوات إلا أن المؤشرات تدل على عدم ارتياح الصندوق لمنح القرض ، حيث رفضت مديرة الصندوق كريستالينا غورغاييفا لقاء الوفد، وهذا يعزى إلى أن الشروط الهيكلية المطلوبة لم تُستكمل، خصوصاً في ما يتعلق بتوزيع الخسائر في القطاع المصرفي، ومعالجة الفجوة بين مصرف لبنان والمصارف والمودعين، كما أن المعطيات التي بني عليها اتفاق أبريل عام 2022 مع الصندوق لم تعد صالحة في ظل تغير هذه المعطيات الاقتصادية الجديدة، على وقع الازمات السياسية والامنية التي لا يزال يعاني منها لبنان وارخت بظلالها على المستوى الاقتصادي والمالي.
وتشير المصادر اللبنانية المطلعة إلى أن الصندوق سيطلب ربط البرنامج التمويلي مع لبنان بإقرار كل المشاريع الإصلاحية المطلوبة في مجلس النواب ربطا بمشروع قانون لمعالجة الفجوة المالية والذي يسمح بإعادة التوازن في النظام المالي والذي ستعده الحكومة قريباً.
كما أن لبنان مطالب بإعادة هيكلة سياسية – اقتصادية عميقة، لن تتحقق إلا من خلال إعادة بناء الدولة ومؤسساتها بشكل يضمن الشفافية والمحاسبة.