محمود عبدالراضى

ما تخفيه الصدور

الجمعة، 18 أبريل 2025 10:17 ص


في عالمٍ يُقاس فيه الإنسان غالبًا بما يظهر، ننسى أن هناك ميزانًا إلهيًا لا يُقيس بالكلمات ولا بالأفعال فقط، بل بما تخفيه القلوب، وتخونه الملامح.

وربما لا نُدرك أن هناك بندًا خفيًا في دفتر الحساب يوم القيامة، اسمه: "الإيذاء النفسي"، ذلك الألم الذي لا يُرى، لكن يُدوَّن، وتلك الخيبات التي لا تُسمع، لكنها تُحسب.

فالغِلّ، والغلظة، والعمل في الظلام ضدّ من منحك النور، النية المُبيّتة بالسوء، والخيانة التي تتنكر في ثوب الصداقة، الحقد الذي يُخبَّأ خلف المجاملة، وسوء الظن الذي يُبرَّر بالحذر، كلها لا تمرّ مرور الكرام في كتاب لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

قال تعالى: "إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ"، آيةٌ زلزلت قلوب الصحابة، لأنهم خافوا أن يخطئوا في أعماقهم دون أن يشعروا، فالنية ليست مجرد شعور عابر، بل "وزنٌ يُرجّح كفة النجاة أو الهلاك".

وكم من أناسٍ خُيّل إلينا أنهم من أهل الطاعات، فإذا بأعمالهم تتبخر كالدخان، لأن الصدور كانت مسمومة، والنوايا فاسدة!، وفي المقابل، كم من قلبٍ طاهر، لم يعرف سوى الصفح، ولم يحمل إلا السلام، كان له الجنة مأوى قبل أن تُوزن أعماله.

إنَّ أعظم تجارة تُربح يوم القيامة ليست بالأموال ولا بالبنون، بل بـ "قلبٍ سليم"، قلبٍ لا يملك شهادات ولا ألقاب، لكنه يملك سلامًا مع الله، وسلامًا مع الناس، وسلامًا مع نفسه، قلبٌ لا يُراكم الأذى، ولا يتغذّى على الكره، ولا يضع أحدًا في خانة العداوة لمجرد وهم.

فما قيمة صلاةٍ لا تنهى عن الغلّ؟  وما وزن عبادةٍ تُجاور حقدًا مقيمًا؟  وما جدوى لسانٍ يُسبّح، وقلبٌ يلعن في السرّ؟

النجاة لا تُكتب بالحبر، بل تُنقش على القلوب، والجمال لا يُقاس بالمظهر، بل بنقاء الجوهر.
اللهم ارزقنا قلوبًا طاهرة، وصدورًا لا تحمل ضغينة، ونوايا لا تعرف إلا الخير، اجعلنا ممن يُحبّون فيُحبّون، ويعفون فيُعفى عنهم، ويُذكرون بالخير وإن غابوا.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب