سمر سلامة

"لأننا نحبهم... نؤذيهم أحيانا!"

الجمعة، 18 أبريل 2025 02:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هل يمكن للحب أن يتحول إلى أداة أذى؟

نعم، حين نغلفه بالدلال الزائد، ونمارس من خلاله نوعا من الحماية المفرطة التي تُفقد أبناءنا القدرة على التكيف مع الحياة، وتُضعف من مهاراتهم الشخصية والاجتماعية والنفسية، دون أن ندري.

للأسف الشديد.. كثير من الآباء والأمهات يعتقدون أن التربية الناجحة تعني أن يعيش الطفل في راحة دائمة، أن لا يواجه أي صعوبات، أن تُلبى له كل الطلبات قبل أن يُكمل جملته، وأن تكون الحياة ناعمة، ناعمة جدا، تماما كما نحلم أن نعيشها نحن ولم نستطع.


لكننا حين نفعل ذلك، نربي طفلا لا يعرف قيمة الانتظار، ولا يتحمل مسئولية، ولا يملك أدوات التعامل مع عالم مليء بالتحديات والاختلافات.

 

الطفل المدلل، المعتاد على أن يكون محور الاهتمام، يصطدم لاحقا بواقع لا يشبه بيته.. يفاجأ بأن المعلم لا يبتسم له في كل لحظة، وأن زميله في الفصل لا يشاركه كل شيء..  وأن هناك قوانين، وحدود، ورفض، ومنافسة، وخسارة، وصعوبة.


هنا تبدأ الأزمة.. قد ينهار، أو يغضب، أو ينعزل، أو يعاني من نوبات غضب متكررة، لأنه ببساطة لم يُجهز لذلك.
هناك خيط رفيع بين الحب الواعي والحب الضار.
الأول يُنتج طفلا سويا، قادرا على أن يحب نفسه ويحترم الآخرين، وأن يخوض معاركه بثقة ويقف على قدميه كلما تعثر.

أما الثاني، فيُخرج لنا شخصا غير قادر على اتخاذ قرار بسيط دون الرجوع لوالديه، شخص يفتقر إلى المرونة، لا يتقبل النقد، ويعتقد أن من حوله يجب أن يعاملوه كما اعتاد من والديه… بنفس التساهل، والاحتواء، والتغاضي عن الأخطاء.

والمشكلة لا تقف عند حدود الأسرة، بل تنتقل للمجتمع ككل.

حين يتخرج الطفل المدلل إلى الحياة الجامعية أو سوق العمل، ويُطالب بأداء مهام محددة، واحترام وقت، وتنفيذ توجيهات، وقد يُحاسب على خطأ… يشعر أنه في عالم قاسٍ، ظالم، لأنه لم يتعلم كيف يتعامل مع هذه المواقف..
وليس معنى ذلك أن نكون قساة.. فالحب الحقيقي ليس في القسوة، ولا في التجاهل، لكنه في منح الطفل فرصا حقيقية ليختبر نفسه، ليتعلم أن الحياة ليست بسهولة المنزل .. فالحياة أحيانا تكون قاسية ..  يوم "حلو " ويوم "مر " .. تكافئنا على تميزنا وتعاقبنا على تقصيرنا.

لذلك .. التربية المتوازنة هي التي تُشعر الطفل بالأمان، دون أن تُشعره أنه محور الكون هي التي تجعله يثق أن هناك من يحبه ويدعمه، لكنه مطالب في الوقت نفسه أن يطور نفسه، أن يتحمل بعض المسئوليات، وأن يدفع ثمن أخطائه أحيانا ليتعلم.

نحتاج أن نعود لفكرة أن الطفل شريك في بناء شخصيته... مشروع مستمر من التربية، يبدأ منذ الصغر، ويتطلب وقتا  وجهدا، وتخطيطا، وحدودا واضحة.
نحتاج أن نمنحه مساحة للاعتماد على نفسه، أن نعلمه كيف يُنهي واجباته وحده، كيف يرتب أغراضه وحده ، كيف يعتذر حين يُخطئ، وكيف ينتظر حين لا يكون هناك حل فوري.

بعض الدراسات التربوية تؤكد أن الأطفال الذين يتعلمون ضبط النفس، والتأقلم مع التأخير أو الإحباط، يصبحون أكثر نجاحا في المستقبل، لأنهم ببساطة لا يتوقعون أن يأتي النجاح إليهم على طبق من ذهب.. هم يعرفون أن الحياة بها صعود وهبوط، وقد تبتسم لهم يوما وتعبس في وجههم يوما آخر، لكنهم يملكون المرونة النفسية التي تجعلهم يقفون في وجه العواصف.

وربما يكون السؤال الآن: كيف نوازن؟ كيف نحبهم دون أن نفسدهم؟

والإجابة تبدأ من داخلنا نحن...

من وعي الأهل بدورهم الحقيقي، من التحرر من الشعور بالذنب كلما قلنا "لا"، من إدراك أن التربية لا تعني فقط توفير الأمان والرعاية، بل تعني أيضا بناء شخصية قوية تستطيع أن تواجه الحياة.
إننا حين نحب أبناءنا بوعي، فإننا لا نحرمهم من الحب، بل نمنحهم أقوى أشكاله: حب يصنع منهم أفرادا ناضجين، مسئولين، ناجحين، قادرين على التأقلم والتطور… حتى عندما لا نكون بجانبهم.

فلنحب أبناءنا، نعم... لكن لنحبهم حبا يُنضجهم ويقويهم … لا حبا يُكسرهم.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة