على مدى شهور الحرب تضع مصر فى أولوياتها، وقف الحرب وإنهاء الاحتلال، وتتصدى لمخططات التهجير، مع امتلاك التواصل مع كل الدوائر، والتمسك بثوابت وخطوط واضحة، فى تعاملها مع تحديات ودوائر معقدة، وتتمسك مصر بمواقف واضحة وحاسمة فى مواجهة الاحتلال، وتخوض حروبا على جبهات متعددة، وهو موقف بلا مناورات أو تدخلات ولكن تحرك فعلى مع تفهم واستيعاب لأبجديات القضية، بعيدا عن أطراف تحاول توظيف القضية أو تحولها إلى ورقة على مائدة السياسة، ولا تزال مصر تتحرك فى كل الدوائر لوقف العدوان وتواجه أكاذيب وإجرام الاحتلال، ومزايدات بعض الأطراف الفاشلة.
منذ اللحظات الأولى للحرب فى غزة أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن مصر تدعم الحقوق الفلسطينية، وتتمسك بخطوط أمنها القومى، وترفض أى محاولات لتهجير الفلسطينيين قسرا أو اختبارا، وسعت مصر مع أطراف إقليمية ودولية ولا تزال للتوصل إلى وقف الحرب، وفى جولته بقطر ثم الكويت كان حريصا على تأكيد الدور المحورى لمصر تجاه الأمن القومى العربى، والتمسك برؤية واضحة للسلام الإقليمى، حيث تعمل مصر بالتنسيق مع الدول الكبرى والفاعلة فى المنطقة على دعم مبادرات السلام واحتواء الأزمات، لا سيما فى ظل غياب أفق سياسى حقيقى للحرب التى يشنها نتنياهو من دون أهداف واضحة وبعد سقوط الذرائع حول الدفاع، بينما يشن الاحتلال حربا عدوانية لم تعد تجد لها مؤيدين حتى فى دولة الاحتلال أو الدول التى كانت تجد ذرائع لدى نتنياهو، ولم تعد تدعم الحرب خاصة مع تضاعف مظاهر الإبادة والدفع نحو تهجير يشكل جريمة.
وحملت البيانات الرسمية الصادرة عن زيارات الرئيس لكل من قطر والكويت رسائل واضحة حول أهمية حماية الأمن القومى العربى، ورفض التهجير، فضلا عن تعزيز فكرة العمل الجماعى بين الدول العربية لمواجهة التحديات المشتركة، والواقع أن مصر تتحرك فى دوائر مختلفة، متمسكة برسالة واضحة هى التمسك بالحق الفلسطينى وحل الدولتين، وأنتجت بهذه المساعى مواقف أصبحت تحمل دعما للرؤية العربية، وتزايد الإعلان من دول أوروبية عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وآخرها فرنسا التى أعلن رئيسها ماكرون الاتجاه للاعتراف بالدولة الفلسطينية فى يونيو المقبل، وأصبح الاعتراف يتزايد بشكل لافت، وهو ما يتماشى مع الرؤية التى طرحتها مصر فى قمة القاهرة ويدعم تنفيذها على الأرض.
مع الأخذ فى الاعتبار أن الموقف الأوروبى يختلف بالطبع فى زوايا النظر إلى القضية الفلسطينية، هناك اتجاه لدعم وقف الحرب ومسارات التسوية، وهو ما أعلنه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، ونشره حول اتصاله برئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، حيث أكد ماكرون ضرورة وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وقال إن فتح جميع معابر المساعدات الإنسانية ضرورة حيوية للسكان المدنيين فى غزة، ويجب أن تنتهى محنة السكان المدنيين فى غزة، معتبرا أن وقف إطلاق النار فى غزة هو وحده كفيل بتحرير الأسرى الإسرائيليين.بالطبع فإن ماكرون يتحدث عن رؤية أوروبية، وبالطبع نتنياهو يرفض إقامة الدولة الفلسطينية، وهنا يمكن اكتشاف أسباب عداء الاحتلال للرؤية المصرية المتمسكة بالدولة الفلسطينية، أو مسارات التفاوض التى تحملها وتواجه بها الأطراف المختلفة.
بجانب ذلك أعلنت المفوضية الأوروبية البرنامج المالى متعدد السنوات للتعافى الفلسطينى، والذى يقدر بـ1.6 مليار يورو، وهو ما يعكس دعم الاتحاد الأوروبى للسلطة الفلسطينية وتمكين مؤسساتها، وتلبية مطالب الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة والضفة الغربية.
وقد أكدت مصر فى بيان «الخارجية» ترحيبها بقرار المفوضية واعتبرت أن موقف الاتحاد الأوروبى يجسد تفهما لضرورة دعم الشعب الفلسطينى فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخه النضالى، والعمل على إيجاد تسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية تستند إلى حل الدولتين، ورحبت أيضا بتخصيص 82 مليون يورو لدعم اللاجئين الفلسطينيين عبر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين «الأونروا»، خاصة أن دور الوكالة لا يمكن استبداله أو الاستغناء عنه فى تقديم الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، وأعربت عن تطلعها لمواصلة الاتحاد الأوروبى دعمه للسلطة الفلسطينية، والمشاركة بشكل فعال وبناء فى مؤتمر التعافى المبكر وإعادة الإعمار فى غزة المقرر أن تستضيفه مصر بالتعاون مع الأمم المتحدة والحكومة الفلسطينية.
من هنا يمكن النظر إلى زيارة الرئيس السيسى إلى كل من قطر والكويت، واستقبال الرئيس الفرنسى، وجولاته بين القاهرة والعريش، والتى جاءت فى توقيت دقيق فى ظل تطورات الأوضاع فى قطاع غزة، وما تعكسه على الإقليم، مع التمسك بدعم وحدة الصف الفلسطينى والسعى لوقف الحرب باعتباره أولوية، وتتحرك على كل الأصعدة وتنسق مع كل الأطراف والسعى إلى موقف عربى ومركزية الأمن القومى العربى، والحاجة إلى مواقف جماعية فعالة تواجه التحديات، وتعيد تأكيد الدعم العربى الكامل لقطاع غزة وخيار الدولة الفلسطينية، وخطط الإعمار فى وجود السكان.
تحركات الرئيس السيسى تمثل رسائل قوية موجهة للداخل والخارج، وتعكس ثقل مصر الإقليمى، وقدرتها على تشكيل مواقف عربية موحدة، فى ظل ظروف إقليمية بالغة التعقيد.
