لطالما كان التاريخ مرآة تعكس تكرار الأحداث، خاصة فى لحظاته السياسية الكبرى التى تهز كيانات الدول وتهدد مصير الشعوب، ومن بين تلك الأحداث التى تبرز هذا التشابه الغريب، واقعتان تفصل بينهما قرون من الزمن والمسافات، لكن يجمع بينهما منطق الصراع، ونفس العقلية التى تؤمن بأن الاغتيال هو طريق الخلاص السياسى.
فى القرن الأول الهجرى، وتحديدًا بعد معركة صفين، قرر الخوارج – وهم فصيل متشدد خرج عن جماعة المسلمين – تنفيذ خطة ثلاثية لاغتيال كل من الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، فى محاولة لإنهاء الصراع القائم وتصفية من رأوا أنهم سبب الانقسام فى الأمة الإسلامية، فالإمام على كان بالنسبة لهم خصمًا سياسيًا ودينيًا، بينما كان معاوية رافضًا لمبايعته، وعمرو بن العاص رمزًا للمكر السياسى الذى طالما أفسد – فى نظرهم – صفوف المسلمين.
بعد قرون، وتحديدًا فى الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن التاسع عشر، أعاد التاريخ نسج خيوطه من جديد ولكن فى سياق مختلف، حيث قام عدد من المتمردين بمحاولة لاغتيال الرئيس إبراهام لينكولن، إلى جانب نائبه ووزير خارجيته، كان الهدف من تلك المؤامرة التخلص من الرجل الذى اتخذ أخطر قرار سياسي في تاريخ أمريكا آنذاك وهو إلغاء العبودية، رأى المتآمرون أن هذا القرار يهدد مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، فقرروا اغتياله هو وكل من يدعمه في السلطة.
في مساء يوم 14 أبريل 1865، وأثناء حضوره عرضًا خاصًا للمسرحية الكوميدية "ابن عمنا الأمريكي"، أُطلِق النار على الرئيس الأمريكى أبراهام لينكولن، وكان برفقته في مسرح فورد تلك الليلة زوجته ماري تود لينكولن، والضابط هنري ر. راثبون، البالغ من العمر ثمانية وعشرين عامًا، وخطيبته كلارا هاريس. وبعد انتهاء المسرحية، دخل شخصٌ يحمل مسدس ديرينجر مسلولًا إلى المقصورة الرئاسية، وصوّب مسدسه وأطلق النار. فسقط الرئيس أرضًا.
جمع بوث زملاءه المتآمرين، ورسم خطة لاغتيال ليس فقط الرئيس لينكولن، بل أيضًا نائب الرئيس أندرو جونسون ووزير الخارجية ويليام سيوارد، كلّف بوث لويس باول، وهو جندي كونفدرالي سابق طويل القامة وقوي البنية، بالهجوم على سيوارد، على أن يساعده ديفيد هيرولد. كان من المقرر أن يقتل جونسون جورج أتزرودت، وهو مهاجر ألماني عمل كبحار لدى جواسيس الكونفدرالية. وكان من المقرر أن يغتال بوث لينكولن بنفسه. وكان من المقرر أن تقع الهجمات الثلاث في نفس الوقت (حوالي الساعة العاشرة مساءً) من تلك الليلة.
في النهاية وعلى طريقة الخوارج، فشل أتزيرودت في تنفيذ مهمته ولم يقترب من جونسون قط. اقتحم باول منزل سيوارد وطعنه بسكين عدة مرات. نجا سيوارد من الهجوم، لكن وجهه ظل مشوهًا بشكل دائم.
كان هناك ما لا يقل عن أربعة متآمرين بالإضافة إلى بوث متورطين في الفوضى، أُطلق النار على بوث وأُسر أثناء اختبائه في حظيرة بالقرب من بولينج جرين، فرجينيا، وتوفي لاحقًا في يوم 26 أبريل 1865، وشُنق أربعة من المتآمرين، وهم باول، وجورج أتزرودت، وديفيد هيرولد، وماري سورات، على حبل المشنقة في سجن أولد، في موقع حصن ماكنير الحالي، في 7 يوليو 1865.
ونجد أن عملية اغتيال الإمام شكّلت بداية لسلسلة من الفتن التي عصفت بالأمة الإسلامية لعقود طويلة، كذلك وإن كانت محاولة اغتيال لينكولن قد نجحت جزئيًا بقتله، فإنها فتحت بابًا جديدًا من التحولات الاجتماعية والسياسية التي غيّرت وجه أمريكا إلى الأبد.