وسط زحام القاهرة القديمة يقف باب زويلة شامخًا، كأحد آخر الشواهد المعمارية المتبقية من أسوار القاهرة الفاطمية، حارسًا صامتًا على تاريخ حافل بالأحداث التى صنعت وجه مصر لقرون طويلة، إذ يُعد هذا الباب التاريخي من أبرز وأهم أبواب القاهرة، ليس فقط لقيمته المعمارية، بل لأنه يمثل ذاكرة حية لفترات فارقة في التاريخ المصري، بداية من عصر الدولة الفاطمية، مرورًا بـ الأيوبيين والمماليك، وصولًا إلى العصر العثماني وما بعده.
شهد باب زويلة الكثير من اللحظات التاريخية المليئة بالأحداث الدرامية التي سُطرت في كتب التاريخ، من لحظات الانتصار إلى مشاهد الانكسار، ومن بينها واحدة من أكثر القصص المأساوية في تاريخ مصر، وهي واقعة شنق السلطان طومان باي، آخر سلاطين المماليك، على عتبته، في مشهد لا يزال محفورًا في ذاكرة المكان، وعلى مر العصور، لم تُهمل مصر هذا الرمز التاريخي، بل خضع باب زويلة لعدة مراحل من الترميم والتطوير، ضمن جهود الحفاظ على التراث، ليبقى شاهدًا حقيقيًا على عبق التاريخ وروح القاهرة الإسلامية، بكل ما فيها من مجد وحضارة وإنسانية.
سمى باب زويلة بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة من البربر بشمال أفريقيا، انضم جنودها إلى جيش جوهر لفتح مصر، فيما أمر ببنائه أمير الجيوش بدر الجمالى فى سنة 485هـ-1092، وكان باب زويلة علقت عليه رؤوس رسل هولاكو قائد التتار، حينما أتوا مهددين للمصريين، كما أعدم عليه أيضاً السلطان طومان باى عندما فتح سليم الأول مصر وضمها للدولة العثمانية.
وبحسب الموقع الرسمي لوزارة الآثار، فإن باب زويلة هو أحد أبواب أسوار مدينة القاهرة الفاطمية من الجهة الجنوبية، أنشأه الوزير بدر الجمالي في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله عام 485هـ/1092م، أي بعد بناء بابي النصر والفتوح في الجهة الشمالية بحوالي خمس سنوات تقريبًا، وهذه الأبواب الثلاثة خير دليل باق على عظمة العمارة الحربية بمصر في العصر الفاطمي.
يبلغ عرض هذا الباب حوالي 4.82 م، حيث يحيط به من الجانبين برجان مستديران يحصران بينهما مدخل باب زويلة. بعد مرور قرابة 300 عامًا استغل السلطان المملوكي المؤيد شيخ قاعدتي البرجين لبناء مئذنتي مسجده الملاصق للباب عام 818-824هـ/ 1415-1421م.
ترجع تسمية الباب بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة زويلة التي وفدت من شمال أفريقيا برفقة قائد الجيوش الفاطمية جوهر الصقلي، واستقرت قبيلة زويلة بالقرب من الباب. كما عُرفت أيضًا باسم "بوابة المتولي" لأن متولي الحسبة والشئون المالية كان يجلس هنا لتحصيل الضرائب.
يذكر المقريزي والقلقشندي أن تلك البوابة القديمة التي أنشأها جوهر الصقلي كانت قائمةً حتى عصرهما، بالقرب من مسجد سام بن نوح، وأن البوابة الأولى كانت بفتحتين متجاورتين، وانه عندما جاء المعِز لدين الله إلى القاهرة بعد أن أسسها "جوهر الصقلي"، دَخل مِن الفتحة اليُمنى، فتَفاءل الناس بها، وتُرِكت اليسرى لخروج الجنازات.
يشغل باب زويلة مساحة مربعة، طول كل ضلع من أضلاعها 25 مترا، وممرا مسقوفا كله بقبة، وقد اختفت منه معظم العناصر الزخرفية، وعندما بنى الملك المؤيد أبو النصر شيخ مسجده عام 818 هجرية، اختار مهندس الجامع برجي باب زويلة وأقام عليهما مئذنتي الجامع، ويذكر القلقشندي والمقريزي الكثير من أبيات الشعر عنه كان قد كتبها على بن محمد النيلي تتحدث عن عظمة هذا الباب، ومنها قوله: "يا صاح لو أبصرت باب زويلة.. لعلمت قدر محله بنيانا، لو أن فرعونا رآه لم يرد *** صرحا ولا أوصى به هامانا".
عُرف باب زويلة بين الشعب المصري باسم "بوابة المتولي"، حيث كان يجلس في مدخله "متولي" تحصيل ضريبة الدخول إلى القاهرة، وهذه البوابة لها شهرتها في التاريخ المملوكي والعثماني، ويشتهر هذا الباب أو البوابة بكونه الذي تم تعليق رؤوس رسل هولاكو قائد التتار عليه حينما أتوا مهددين للمصريين، وأعدم عليه أيضاً السلطان طومان باي عندما فتح سليم الأول مصر وضمها للدولة العثمانية، كما شُنِق عليها الكثيرُ مِن الأمراء وكبار رجال الدولة، ولم يتوقف استخدامُها لتعليق رؤوس المشنوقين عليها إلا في عصر الخديوي إسماعيل.