انتهيت من رواية "صلاة القلق" للكاتب محمد سمير ندا، الصادرة عن دار مسكلياني، والمرشحة في القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية (البوكر)، وقد أكدت لي الرواية تفضيلي للكتابة التي تدفع القارئ إلى التفكير، وتجعله يبذل جهدًا كي يتواصل مع الإبداع، وتدفعه لطرح الأسئلة أو البحث عن الإجابات.
من البداية سنعرف أن دخول عالم "صلاة القلق" يحتاج يقظة، فهي لن تمنحك نفسها بيسر، وذلك لكونها تعيد تفسير كل ما نعرفه عن النصر والهزيمة، عن علاقة الإنسان بنفسه وغيره، عن الأنا والآخر، عن السلطة والشعب.
كما تعمل الرواية على توظيف أيقونات مهمة في حياتنا التاريخية والثقافية مثل الزعيم جمال عبد الناصر والفنان عبد الحليم حافظ، وأحداث لا تنسى مثل هزيمة يونيو وما يجري في فلسطين.
كما تكشف الرواية طرقًا من التفكير تتعلق بأنماط الشخصيات التي قدمتها مثل (الشيخ أيوب، جعفر الولي، خليل الخوجة، نوح النحال، محروس الدباغ، وداد، عاكف الكلاف، محجوب النجار، زكريا النساج، وداد، شواهي، وحكيم) وهي أنماط فكرية لو تأملناها سنجدها موجودة حولنا، بل نحن جزء منا بكل تأكيد.
وتنشغل الرواية التي تدور في نجع المناسي المعزول بالصعيد، والذي يهدده الخوف من الحرب المشتعلة منذ سنوات طويلة ولا تبدو هناك أي بادرة لانتهائها (فلا يزال الأبناء يذهبون للحرب، ولا يزال المواطنون يدفعون جزءا من قوتهم لنفقات القتال)، إنها حرب أكلت الأخضر واليابس وأثارت القلق والرعب في النفوس، ذلك القلق الذي يزيد من اشتعاله "خليل الخوجة" الرجل الغريب الغامض الذي لا نعرف له أصلًا ولا فصلًا، بل هو ابن الاحتمالات الكثيرة، رجل مسيطر على جميع الأطراف بقدرته على صناعة الوهم، والذي أقنع الجميع بأن قريتهم محاطة بالألغام، لذا لم يجربوا الخروج، وأوهمهم أن الحرب لا تزال دائراة مع إسرائيل وأن انتصاراتنا تتواصل وها نحن على شفا تحرير فلسطين، وفعل في ابنه حكيم من الأذى ما لم يفعله إنسان.
إنها رواية تقول لنا انتبهوا لكل حياتكم، وأعيدوا النظر، هي إذن رواية ضد الوهم، ذلك الذي يمثل قدرًا كبيرًا من أفكارنا، ويحتاج بالفعل إلى كشفه وتحليله، وهو ما سعى إليه نوح النحال، لكن لأن الوهم دائرة تتسع بسبب انتشار الجهل لم يستطع أن يخلص الناس منه.
صلاة القلق رواية يقوم بناؤها على شخصيات مستقلة، كل منها مكتمل بطريقته، كما تراهن على لغة تمسك برقاب بعضها، ليست سهلة مستباحة، بل مبذول فيها جهد واضح، مما يؤكد لنا إيمان محمد سمير ندا بدور اللغة في الفن، فلا شيء على حساب شيء.
لن يغادرك عالم رواية صلاة القلق بسهولة، ستواصل تتبع "حكيم" كلما راح يسترق السمع لكل شخصيات الرواية، قبل أن نعرف نهايته الغريبة، وستتعاطف بصورة كبيرة مع الشيخ أيوب (ماضيه وحاضره)، وتتمنى أن يدفع خليل الخوجة الثمن، وأن يعود الأبناء من الحرب إلى آبائهم، وألا يكون الجنين في بطن زوجة محجوب النجار "وهمًا".