في أجواء روحانية مهيبة، تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية غدا الأحد الذي يسبق عيد القيامة بعيد أحد الشعانين، المعروف أيضًا بأحد السعف أو أحد أوصنا، والذي يُعد أحد الأعياد السيدية الكبرى في الكنيسة. ويُخلد هذا العيد ذكرى دخول السيد المسيح إلى أورشليم (القدس) حيث استقبله الشعب بهتافات "أوصنا لابن داود، مبارك الآتي باسم الرب"، بينما فرش البعض ثيابهم في الطريق ورفع آخرون أغصان الزيتون وسعف النخيل، وتمتلئ الكنائس بالمصلين الذين يرفعون أغصان السعف والورود، وتُقام صلوات خاصة تُشيد بالمسيح كملك للسلام.
"شعانين" معنى وتاريخ
كلمة "شعانين" مستمدة من الكلمة العبرية "هوشعنا" وتعني "يا رب خلص"، وهي الترنيمة التي رددها الشعب عند استقبال السيد المسيح. ومع مرور الزمن، اتخذت الكنيسة هذا الحدث الجليل كعيد سنوي يعيد إلى الأذهان مشهد موكب الخلاص واستقبال مخلص العالم. وقد أطلقت الكنيسة على هذا اليوم أسماء متعددة منها: "أحد المستحقين" و"أحد الأغصان".
كما تحمل رموز الشعانين معاني روحية عميقة، إذ يشير سعف النخل إلى الانتصار الروحي، بينما ترمز أغصان الزيتون إلى السلام الداخلي والقداسة. وقد رأت الكنيسة في هذه الرموز دعوة للجهاد الروحي من أجل نيل إكليل الحياة الأبدية.
طقوس مميزة وروحانية
يتخلل طقس أحد الشعانين دورة احتفالية داخل الكنيسة، حيث يطوف الكاهن مع الشمامسة والشعب حاملين سعف النخيل وأغصان الزيتون، ويتم قراءة الأناجيل الأربعة في أركان الكنيسة الأربع، للدلالة على امتداد رسالة الإنجيل إلى كل بقاع الأرض، ولأن كل من الأناجيل قد ذكر حادثة دخول المسيح إلى أورشليم.
في القداس الإلهي، يُتلى لحن "أفلوجي مينوس"، وتُرنم مزامير وأناشيد خاصة بالعيد، وتُوزع السعف والورود على المصلين كتذكار رمزي للنصر والسلام، حيث يرمز سعف النخيل إلى الجهاد الحسن، والزيتون إلى السلام والقداسة.
صلاة التجنيز العام
في نهاية القداس، تُقام صلاة التجنيز العام، وهي طقس فريد يتم فقط في هذا اليوم، كونه يسبق أسبوع الآلام الذي لا يُقام فيه جنازات أو رفع بخور إلا في يومي الخميس والسبت. الغرض من إقامة صلاة التجنيز العام في هذا اليوم هو التحسب لاحتمال وفاة أحد من شعب الكنيسة خلال أسبوع الآلام، حيث لا يُرفع فيه بخور إلا يومي الخميس والسبت، لذا يُقام التجنيز العام في هذا اليوم ليغطي الأيام الأربعة التي لا تُقام فيها صلوات تجنيز كاملة. وإذا توفي أحد خلال هذه الأيام، يُنقل جثمانه إلى الكنيسة وتُقرأ عليه القراءات الخاصة بالتجنيز دون رفع بخور. يصلى التجنيز على إناء ماء عادي يُرش على المصلين، ولا يوجد طقس كنسي خاص لتكريس السعف بالماء، على خلاف ما يعتقده البعض.
وقد أشارت بعض الكتب الطقسية إلى أهمية حضور جميع أفراد الشعب المسيحي رجالًا ونساءً، شبابًا وشابات، صلاة التجنيز العام، وذلك لتنبيههم إلى أن هذا هو التجنيز الوحيد الذي يُقام قبل أسبوع الآلام، إذ لا تُقام خلاله صلوات تجنيز أخرى. فالأسبوع مخصص بالكامل لتذكار آلام السيد المسيح وموته، وقد اختارت الكنيسة ألا تُشرك نفسها في أي حزن آخر سوى حزنه، احترامًا لما كابده من آلام مرة. كما خُصص هذا الأسبوع للصلاة والتسبيح والصوم، في مشاركة وجدانية مع آلالام، وتوبة عن الخطايا، مرددة على لسان بولس الرسول: "لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة، وأما حزن العالم فينشئ موتًا" (2كو 7:10).
تحرص الكنيسة سنويًا على الاحتفال بعيد الشعانين كذكرى خالدة تُمهد لبدء أسبوع الآلام، وتحث أبناءها على استقبال المسيح في "هيكل قلوبهم" بنقاء واستعداد حقيقي لملاقاة سر الفداء.