في يومٍ يحمل في طياته معاني الفخر والتضحية، يأتي "يوم الشهيد" ليكون يومًا للتذكر، يومًا لاستحضار البطولات، والوقوف بخشوع أمام أولئك الذين ضحوا بأرواحهم كي يعيش الوطن في أمن وسلام.
في هذا اليوم، نتذكر أبطالًا سطروا أسمائهم بحروف من نور في سجل الخلود، أبطالًا لن يمحوهم الزمن ولن تهتز صورتهم في ذاكرة التاريخ، فمن بين هؤلاء الأبطال، هناك مَن سقطوا دفاعًا عن كرامة الوطن، وآخرون ضحوا بحياتهم من أجل تأدية واجبهم.
من بين هؤلاء الأبطال، نجد الشهيد مصطفى سمير محمد بدوى، الضابط الذي استشهد أثناء تأدية عمله في محافظة كفر الشيخ، كان مصطفى يواجه تحدياته اليومية في خدمة الناس، إلا أن القدر شاء أن تكون نهايته في لحظة غير متوقعة، حيث استوقف عاطل وقام بتحرير مخالفة مرورية، فما كان من هذا المتهم إلا أن أطلق رصاصة عشوائية أسفرت عن استشهاد مصطفى، لكن على الرغم من الفاجعة، أعربت أرملته عن إيمانها العميق بأن مصطفى في مكانة أفضل، مؤكدة أن روحه لا تزال تحيا بين أهله وأصدقائه، لقد كان مصطفى مثالاً يُحتذى به في حسن الخلق، وتعامله الرحيم مع الجميع، وهو ما شهد عليه كل من عرفه في كفر الشيخ، لم يكن فقط رجل قانون، بل كان إنسانًا يعامل الآخرين بكل حب واحترام، وهذا ما ظهر بوضوح في جنازته التي خرج فيها الشباب والفتيات حاملين لافتات وداع، وزُينت سيارات الأجرة بملصقات تحمل صورة الشهيد تكريمًا لذكراه.
ثم هناك الشهيد هشام شتا، الذي سطر في صفحات المجد مواقفه البطولية في مواجهة الإرهابيين في مذبحة كرداسة في 14 أغسطس 2013، أكد والده عقب استشهاده أن روح هشام لا تزال تحيط بهم، بل ويشعر وكأنها لا تزال حية، لقد كان هشام، كغيره من الأبطال، مثالاً على الشجاعة والإصرار، ولم يتراجع عن أداء واجبه حتى آخر لحظة، فكانت نهاية بطولية في مواجهة قوى الشر والإرهاب.
لكن هذا اليوم لا يقتصر على الرجال فقط، إن "الشرطة النسائية" كان لها دورٌ بارزٌ في المعركة من أجل الوطن، ومن بين هؤلاء الأبطال كانت الشهيدة "أمنية رشدي"، التي استشهدت في التفجير الإرهابي الذي وقع في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، بينما كانت تعمل على منع انتحاري من دخول الكنيسة، ضحت "أمنية" بنفسها، ليُكتب اسمها في تاريخ الوطن كأيقونة من أيقونات الشجاعة والتضحية.
في حديثٍ مؤثرٍ، أشارت والدتها إلى أن أمنية كانت دائمًا في قلب كل من حولها، محبوبة، ومُحبّة، وعطوفة، كانت فتاة في مقتبل العمر، تستعد لبداية حياة جديدة، ولكن القدر كان لها بالمرصاد، لتحتفل بزفافها في الجنة، وسط الشهداء، في أعالي السماء.
ولا يمكننا أن نغفل الشهيد العميد إمتياز إسحاق، الذي استشهد في معركة الواحات ضد الإرهابيين في 20 أكتوبر 2017، في حديث مؤثر مع أرملته، أكدت سحر السيد أحمد أن استشهاد زوجها كان بمثابة اختيار من الله عز وجل، وأنه كان في مكانة تستحق أن يكون فيها، قائلة: "إنه بالنسبة لنا لا يزال حيًا في قلوبنا، ونحن نربي أبناءنا على حب الوطن والوفاء لتضحياته"، وكشفت الأرملة عن علاقتهم الخاصة بوطنهم، مؤكدة أن الأمن والحب لوطنهم كانا جزءًا من كل لحظة في حياتهم، حتى استشهاد زوجها البطل.
ثم يأتي الشهيد اللواء مصطفى الخطيب، الذي استشهد في مذبحة قسم كرداسة، لم يكن الشهيد مجرد ضابط أمن، بل كان رجلًا عاش وسط أهالي كرداسة، عمل على حل مشكلاتهم وإيجاد حلول لأزمات المنطقة، تروي أرملته سحر يوسف عن يوم استشهاده، الذي تذكرته كآخر لحظة له معها قبل أن يسقط شهيدًا في معركة الدفاع عن أرض الوطن، كانت كلماتها مليئة بالحزن، لكن قلبها يفيض فخرًا بما قدمه زوجها من تضحيات من أجل مصر وأهلها.
إن "يوم الشهيد" ليس مجرد مناسبة للتذكر، بل هو ذكرى حية تذكّرنا بأبطالٍ قدموا حياتهم في سبيل وطنهم، وأثبتوا أن حب الوطن ليس مجرد شعارات بل تضحية حقيقية تُسطر بدمائهم، وفي هذا اليوم، يجب علينا أن نُكرم هؤلاء الأبطال، ونُعزز قيم الشجاعة والإخلاص في نفوسنا، وكلما مر الزمن، تظل قصصهم خالدة في ذاكرتنا، تذكرنا دائمًا بأن الوطن يستحق منا كل غالٍ ونفيس.
إن يوم الشهيد ليس يومًا عابرًا، بل هو يوم من أيام الفخر والاعتزاز، يومٌ نعيش فيه بين الذكريات العطرة لمن رحلوا من أجل الوطن، الذين لا يزالون في قلوبنا إلى الأبد.
