تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاتها على قرى وبلدات جنوب لبنان، في تحدٍ صارخ لاتفاق وقف إطلاق النار، الذى أُبرم في نوفمبر الماضى برعاية أمريكية فرنسية ، والذى نص على أن تنسحب إسرائيل خلال 60 يوماً من توقيعه من الأراضي اللبنانية، وتم تمديد مهلة تنفيذ الاتفاق حتى 18 فبراير الحالي، ولم تلتزم إسرائيل ببنود الاتفاق ولا تزال قواتها متواجدة في خمس نقاط استراتيجية جنوب لبنان، وهو ما فسره مراقبون برغبة الحكومة الإسرائيلية في تحسين شروطها في أي تفاوض مستقبلى، فهي تتوغل وتقضم مناطق في سوريا في موازاة ما تقوم به في جنوب لبنان وفي غزة وفي الضفة الغربية، لبناء مناطق عازلة لحماية مستوطناتها من أى عمل معادٍ من قبل محور المقاومة، كما أنها تريد إنهاء دور حزب الله العسكري ودفعه للانخراط في العمل السياسي.
وفى سياق انتهاكاتها في لبنان، أطلق الجيش الإسرائيلي النار باتجاه مواطنين كانوا يجمعون الخردة بين بلدتي تل نحاس وبرج الملوك في قضاء مرجعيون جنوبي لبنان، ما أدى إلى إصابة عدد منهم.
ومن جانبه قال الجيش اللبناني، إن الاحتلال الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على سيادة لبنان برا وبحرا وجوا، وإسرائيل نفذت سلسلة عمليات استهداف لمواطنين في الجنوب والبقاع.
وأشارت إلى أن إمعان الجيش إسرائيلي في اعتداءاته يهدد استقرار لبنان، وينعكس سلباً على الاستقرار في المنطقة، كما يتنافى تماماً مع اتفاق وقف إطلاق النار.
ومن جهة أخرى، تكثف إسرائيل عمليات استهداف واغتيال عناصر بارزين من "حزب الله"، على الرغم من وقف إطلاق النار، والتضييق على المواطنين عبر عمليات التمشيط والإستطلاع بهدف منعهم من العودة إلى قراهم، من إعمار منازلهم المدمرة.
ولم تؤتى الاتصالات الدبلوماسية ثمارها حتى الآن للضغط على إسرائيل للإنسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية، كذلك، فإنه يبدو أيضاً أن لا ضغوط تمارسها الولايات المتحدة على الحكومة الإسرائيلية لتطبيق إتفاق وقف إطلاق النار، فالإدارة في واشنطن تشارك تل أبيب الرأي في أنه أصبح من الضروري تسليم "الحزب" لسلاحه إلى الجيش، ولم يعد الأمر مرتبطاً فقط بمنع تواجد عناصره وعتاده في منطقة جنوب الليطاني فقط.
إعادة الإعمار وعودة الأهالى
ومن جهة ثانية، ورغم عدم استقرار الأوضاع فى الجنوب، يصر الأهالى على العودة إلى قراهم، وفى هذا السياق واصل عدد من الأهالى عودتهم إلى منازلهم في الجنوب بدعم من الوحدات العسكرية في مواكبة عودتهم إلى المناطق الجنوبية من خلال معالجة الذخائر غير المنفجرة وإزالة الركام وفتح الطرق، فيما تتابع قيادة الجيش الوضع وتتخذ الإجراءات اللازمة، بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان".
وبالنسبة لخطة إعادة الإعمار ، فقد قدر البنك الدولي تكلفة إعادة الإعمار والتعافي في أعقاب الصراع ثم الحرب التى شهدها لبنان بنحو 11 مليار دولار، وفقا لتقرير التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في لبنان لعام 2025 (RDNA)، الذي يقيم الأضرار والخسائر والاحتياجات في عشرة قطاعات في جميع أنحاء البلاد خلال الفترة الممتدة من 8 أكتوبر 2023 حتى 20 نوفمبر 2024.
وأوضح التقرير الذي صدر عن البنك الدولي، ان "هناك حاجة إلى تمويل بنحو 3 إلى 5 مليار دولار من قبل القطاع العام، منها مليار دولار لقطاعات البنية التحتية (الطاقة، والخدمات البلدية والعامة، والنقل، والمياه والصرف الصحي والري). في حين سيكون هناك حاجة إلى تمويلٍ من القطاع الخاص بنحو 6 إلى 8 مليار دولار، يكون معظمه موجهاً إلى قطاعات الإسكان، والتجارة، والصناعة، والسياحة".
وأشار إلى أن "التكلفة الاقتصادية للصراع في لبنان تقدر بنحو 14 مليار دولار حيث بلغت الأضرار التي لحقت بالمقومات المادية نحو 6.8 مليار دولار، فيما بلغت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن انخفاض الإنتاجية، والإيرادات الضائعة، وتكاليف التشغيل نحو 7.2 مليار دولار".
ولفت التقرير إلى أن "قطاع الإسكان هو الأكثر تضررا، حيث تُقدر الأضرار فيه بنحو 4.6 مليار دولار، كما تأثرت قطاعات التجارة، والصناعة، والسياحة بشكل كبير، حيث تُقدر الخسائر فيها بنحو 3.4 مليار دولار في جميع أنحاء البلاد. ومن حيث النطاق الجغرافي، يخلص التقرير إلى أن محافظتي النبطية والجنوب هما الأكثر تضرراً، تليهما محافظة جبل لبنان (التي تضم ضاحية بيروت الجنوبية)".
ومن ناحية الاقتصاد الكلي، أوضح أن الصراع أدى إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للبنان بنسبة 7.1% في عام 2024، وهي انتكاسة كبيرة مقارنة بنسبة النمو المقدر بنحو 0.9٪ في حال عدم حصول الصراع. ومع نهاية عام 2024، لامس الانخفاض التراكمي في إجمالي الناتج المحلي للبنان منذ عام 2019 الـ40٪، مما يؤدي إلى تفاقم آثار الركود الاقتصادي متعدد الجوانب، ناهيك عن الآثار السلبية على آفاق النمو الاقتصادي في البلاد.
وتم إعداد تقرير التقييم السريع للأضرار والاحتياجات بناء على طلب من الحكومة اللبنانية بإجراء تقييم يشمل عشرة قطاعات هي: الزراعة والأمن الغذائي، التجارة والصناعة والسياحة، التعليم، البيئة وإدارة الردميات، الطاقة، الصحة، الإسكان، الخدمات البلدية والعامة، النقل، المياه والصرف الصحي والري.