في مشهد عربي محمود ومشرف يبعث على الفخر ويملأ النفوس اعتزازًا، توحدت الدول العربية تحت راية مصرية تطالب بتحقيق السلام العادل والشامل، الذي يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه كاملة غير منقوصة، وجاءت هذه القمة الطارئة لترسيخ مبدأ حل الدولتين، استنادًا إلى حدود عام 1967، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وأكد القادة العرب بالقمة العربية الطارئة أن خيار السلام يظل المسار الأمثل والأقرب والأحب لشعوب المنطقة، بل كل شعوب الأرض، لكنه لا ينفصل عن تحقيق العدالة لقضية العرب الأولى، فلا مجال للتنازل عن الثوابت التي أجمع عليها الموقف العربي منذ بداية الصراع، إذ يبقى التمسك بالحق الفلسطيني التزامًا لا يقبل المساومة، في ظل وحدة الصف العربي لنصرة هذه القضية العادلة.
وخلصت القمة العربية الطارئة إلى قرارات مصيرية أسهمت الدولة المصرية بدبلوماسيتها الرائدة، بالتعاون مع أشقائها العرب والوفود الأفريقية والدولية، في صياغتها وبلورتها، وجاء ذلك استنادًا إلى خطة متكاملة قدمتها مصر، ونالت اعتماد القادة والموافقة على تفاصيلها خلال القمة، وقد أكدت الخطة على ضمان المسار السياسي والاجتماعي الصحيح للقضية الفلسطينية، مع ضمان تنفيذ مراحل إعادة الإعمار دون تهجير السكان أو التفريط في الأرض، ودون أي تنازل عن الحق الفلسطيني في أراضيه، وجاءت هذه الجهود ضمن رؤية شاملة يشارك فيها الجميع، مع التأكيد على أن الشعب الفلسطيني يظل في صدارة هذه العملية، باعتباره صاحب الحق والأولوية في تقرير مصيره وإعادة بناء وطنه.
وجاء الرفض القاطع لمخططات التهجير استنادًا إلى موقف مصر الثابت ودعمها المستمر لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه، رغم ما يتعرض له وما واجه ويواجهه من تحديات قاسية وصعاب لا تقوى الجبال على تحملها، غير أن بقاء الفلسطينيين في وطنهم حق لا يقبل المساومة، حتى في ظل تصاعد الصراع، واستمرار النزاع، والقتل والترويع، وسعي إسرائيل، بدعم من الإدارة الأمريكية، إلى فرض واقع جديد عبر التهجير القسري.
وفي هذا السياق، يبقى الرهان على قناعة الولايات المتحدة بضرورة دعم الخيار الاستراتيجي العربي الموحد، الذي يحظى بتأييد دولي واسع، والذي جاء في صورة قرارات نري أنها مصيرية تهدف إلى ترسيخ السلام العادل في منطقة الشرق الأوسط، فالجميع دون استثناء يتكبد خسائر فادحة جراء الحرب، والجميع يواجه تحديات متصاعدة على مختلف المستويات، مما يجعل من السلام العادل والالتزام بالقرارات المنبثقة عن القمة وخطة العمل المتفق عليها لإعمار غزة السبيل الوحيد للخروج من دوامة الصراع المتواصل.
وجاء الرفض القاطع للتهجير انعكاسًا لثبات ورسوخ الموقف العربي والمصري، رغم الضغوط والتحديات التي تواجهها البلاد، ورغم التبعات الناجمة عن هذا الموقف العادل والشريف الغاية؛ فمصر كما كانت دائمًا وابدأ لا تقبل المقايضة أو المساومة أو المراوغة في قضية تعتبرها أم القضايا العربية، وهي القضية الفلسطينية، وموقفها التاريخي يرتكز على مبادئ واضحة لا تتغير، ترفض أي محاولات لفرض واقع جديد يتعارض مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وفي هذه القمة الاستثنائية الطارئة، قادت مصر قرارات مصيرية، واضطلعت بدور محوري في حشد الجهود العربية والدولية لاستكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بمراحله الثانية والثالثة، والتأكيد على أهمية التزام كل طرف بتعهداته، وهذه الجهود تعكس التزام مصر وقيادتها السياسية الدائم بالعمل من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وضمان استعادة الحقوق لأصحابها، بعيدًا عن أي ضغوط أو مساومات.
كما دشنت مصر، بل حكمة واقتدار، موقفًا عربيًا موحدًا لنصرة القضية الفلسطينية، عبر تقديم خطة إعمار غزة تتسم بالمرونة في آليات التنفيذ، وتتميز بالواقعية في التعامل مع التحديات القائمة، مع ضمان مشاركة الجميع دون استثناء، وهذه المقاربة الشاملة من شأنها إعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني، وفتح الآفاق أمام مسار سياسي أكثر استقرارًا، يحمل في طياته ثمارًا إيجابية على كافة المستويات، ويدفع بالمنطقة نحو مستقبل أكثر عدلًا وسلامًا.
وقد حرصت الدولة المصرية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، مؤكدة أن أبناء فلسطين هم الأحق بإدارة قضيتهم، حفاظًا على سيادتهم الكاملة وعدم المساس بحقهم في تقرير مصيرهم، وجاء هذا الموقف إدراكًا لأهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية، ولتفادي أي محاولات لخلق انقسامات أو فتح المجال للفتن التي يغذيها مروجو الشائعات، كما أن تمكين الفلسطينيين من إدارة شؤونهم بأنفسهم يسهم في تعميق التلاحم السياسي والجغرافي لأراضيهم، ويدعم جهود تحقيق المصالحة الوطنية في مواجهة التحديات الراهنة.
وجاءت نصرة القضية الفلسطينية ثمرةً لثراء الآراء، وتوحّد الرؤى، وتلاحم الجهود، وتلاقي الأفكار، وهو ما وفرته أجواء ومناخ القمة بقيادة مصرية حكيمة، سعت إلى تحقيق أهداف مشروعة يتصدرها ترسيخ مبادئ التعايش السلمي وإشاعة السلام في المنطقة، بما يهيئ الأرضية اللازمة لتحقيق الاستقرار، ويفتح المجال أمام تنمية مستدامة تعود بالنفع على جميع الشعوب.
ولم تغفل أو تتجاهل القمة الشأن العربي الجامع والقضايا الكبرى، بل تناولت بعمق الأوضاع في سوريا ولبنان، وتم التأكيد على ضرورة الحفاظ على سيادة هذه الدول وحريتها، وعدم السماح بتمادي الاحتلال في انتهاكاته التي تتعارض مع القوانين والمواثيق الدولية، وتزيد من حدة الكراهية والعنف في المنطقة، كما شددت القمة على احترام المقدسات ووقف محاولات تهجير الفلسطينيين داخليًا، سواء من المخيمات أو مدن الضفة الغربية، باعتبار ذلك من الثوابت التي لا يمكن القبول بتجاوزها أو التغاضي عنها، وذلك في إطار الالتزام العربي الراسخ بحماية الحقوق الفلسطينية وصون الهوية العربية في مواجهة محاولات الطمس والتغيير القسري.
وفي النهاية شكلت القمة العربية الدولية الطارئة محطة فارقة في مسار دعم القضية الفلسطينية، إذ أكدت على أهمية التحرك العربي المشترك لمواجهة التحديات المتصاعدة التي تعصف بالمنطقة، وفي ظل الإجماع على ضرورة اتخاذ خطوات جادة وفاعلة، تتجه الأنظار نحو آليات تنفيذ هذه القرارات، بما يضمن تحويلها إلى إجراءات ملموسة تحدث تأثيرًا حقيقيًا على الأرض.
وتظل مسؤولية الدول العربية والمجتمع الدولي قائمة في متابعة تنفيذ مخرجات القمة، ليس فقط من خلال الدعم السياسي، بل عبر تكثيف الجهود الدبلوماسية والاقتصادية والقانونية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني؛ فالمعركة ليست فقط على الأرض، بل في المحافل الدولية، حيث يجب تأكيد المواقف العربية الموحدة لإجهاض أي محاولات لطمس الحقوق المشروعة للفلسطينيين، وحتى يتحقق الاستقلال الكامل وتقام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية، يبقى التحدي الأكبر هو الانتقال من مرحلة التوصيات إلى مرحلة الفعل، بما يضمن حماية الأرض والهوية، وتكريس العدالة التي طال انتظارها.
_________
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر