الحجّامة.. قصة جديدة لـ شيماء بن عمر

الأربعاء، 05 مارس 2025 06:00 م
الحجّامة.. قصة جديدة لـ شيماء بن عمر الكاتبة التونسية شيماء بن عمر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ننشر قصة قصيرة للكاتبة التونسية شيماء بن عمر بعنوان "الحجّامة".
 

"أهذا كل شيء؟ أأنتِ واثقة؟"

"نعم... كثيرا"

"أتمنى لكِ كل التوفيق"

"شكرا على كل شيء، أكره الوداع .. لذلك سأدّعي أنني سأراك يوم الإثنين إذا "قالتها وهي ترمي نحوه قبلة مرحة وتُحاول أن تبدو متماسكة.
"كما تريدين، إلى الإثنين القادم إذا" أجاب بإبتسامة متوترة.

كم تمنت لو أنها بقيت لتعمل معه لسنوات طويلة قادمة ولكن الأمور لم تجرِ كما خُطِطَ لها على الرغم من دعمه لها، كان أول رئيس مباشر في العمل تحب العمل معه؛ رجل صارم ولكن طيّب المعشر... يكفي أنه تحمل نوبات رهابها غير المبررة والتي لم تنته وكأنّه يعلمُ مدى اضطرابها.. لم يُحرجها بأية سؤال بل كان يصرف لها أيام عطلة بدون حتّى أن تطلب ذلك...

على كل، فقط تخلت عن عمل لم تستطع التأقلم معه رغم كل محاولاتها العقيمة وعن علاقة معقدّة امتدت لبضع سنواتٍ عجاف... لم يكن شخصاً سيئا...أم كان كذلك ؟ ... كما لم تكن هي شخصا سيئا أوهكذا تظن ... كانا... كانا غير كافيين لبعضهما.

لم يجدا أيّ ثغرةٍ "عاطفية" للتواصل رغم محاولتهما الجديّة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه..

كانا تعيسين بشكل مخيف... ومع ذلك كانت تأخذ بيده عند كل سقوطْ وكان يزدادُ مقتًا لها عند كل مساعدة تبدر منها، يزداد كرهاً لشخصها عند كل مرة تدفعه فيها نحو الأمام، بل ويسحبها عنوة نحو الأسفل، نحو الظلام... نحو جروحٍ لا تلتئم أبدا، نحو موتِ بطئ وطويل..

لم يترك لها أية خيارات أخرى ... قطعت معصمها أخيرا واستقلت سيارة الأجرة!

"إلى أين يا آنسة؟"

" لا أعلم ، دعنا ننطلق أولاً"

كان سائق الأجرة يستمِع إلى الراديو ويُعلق على الأخبار بصوتٍ عالٍ في محاولة منه لجذب انتباهها ولكنّها التزمت الصمت وهي تُفلت ابتسامة مهذبة بين الحين والآخر، فكل ما كان يشغل بالها هو ما الذي ستفعله بشعرها فور وصولها إلى صالون الحلاقة.

"أوه !! أين أختفيتِ يا فتاة؟ لم أركِ منذ أشهر!"
"لا تخافي، مازلتُ على قيد الحياة، كنت مشغولة قليلا..كيف الحال؟"

"كما ترين، فأنا بالكاد أخرج من الصالون" وأردفت قائلة في استعجال من دون أن تترك لها أيّ مجالٍ للردّ "انزعي عنك معطفك وتصرفي بحريّة بينما أحضر بعض القهوة"

نزعت معطفها الرّمادي المصنوع من ألياف الكاشمير الطبيعية والمفضلة لديها وحررت شعرها الكستنائي من قبضة المشبك وراحت تهزه يمنة ويسرة في نشوة انتصارٍ غريبة..

أحست بطعنة مفاجئة في قلبها وهي تعود بذاكرتها إلى ذلك الموقف..
"إياك أن تشدني من شعري مرة أخرى! أنت حقا تثيرُ اشمئزازي"
" أما أنتِ ... فتثيرينني!" أفلتها بقهقهة عصبية قبل أن يدفعها نحو الأرض المكسوة بحصى مدببة مما تسبب بخدوش على باطن معصميها وركبتها..

" لن أقبل بك حتى لو كان آخر شىء أفعله" ردت في هدوء وتحدٍ معاً وهي تنفض ما علِق بثوبها من التراب والحصى.
"من فضلكِ قومي بقصّه" قالتها وهي تشير بإبهامها نحو أعلى رقبتها الرفيعة..

"لا أصدق !!! بالأمس كنت أتضرع كي تغيري تسريحته وها أنتِ الآن تريدين التخلص من معظمه" وأخذت تبحث عن المقص خوفا أن تغير الأخرى رأيها..

"افعلي بي ما شئتِ ... لن تأتيكِ فرصة كهذه مرة أخرى .... مطلقاً"

"ها أنتِ تُشعرينني بالتوتر الآن، كُفي عن هذا" قالتها وهي تمزحُ في توترٍ بدا جليا على ملامحها وكأنها ستفعل ذلك لأول مرة في حياتها"

"كفي عن الثرثرة... هيا ...أنا أعلم أنني بين أيادٍ أمينة " طمأنتها وهي تغمزها.. وكانت تعني ما تقول ...
ليس من السهل أن يكون أحدهم بين أيادٍ أمينة!
لن يقوم أحدهم بشدّها من شعرها عنوة بعد اليوم!! ستفرد خصلاتها الكستنائية وتهزها يمنة ويسرة كل مرة.. ستهز رأسها يمنة ويسرة كل المرّات!







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة