كان (النقاش) مع أحمد زكي في تفاصيل فيلم (حليم) يزداد صعوبة كل يوم مع تزايد متاعبه الصحية وتأرجح حالته النفسية بين رغبة في تحدي المرض وهزيمته ولحظات يأس تكاثرت عليه مهما حاول المقربين منه إخفاؤها.. وكانت وفاة صديقه الأقرب (ممدوح وافي) شديده القسوة مما أرهق روحه المتعبة.. كان ممدوح هو الصديق المثالي لشخص مثل زكي الذي أصبح – مع الزمن – يضيق بأي مساحة من الإختلاف حول سلوكه أو علاقاته أو اختياراته.. وكان ممدوح يمثل بالنسبة له الشخص الذي لم تغيره رغبات الشهرة أو جنون السباق نحو القمة فكان راضيا بحجم الأدوار التي تعرض عليه سعيدا بأقل قدر من النجاح وكان هذا بالنسبة لأحمد وصراعاته الدفينة والظاهرة شيئاً نادراً بل إنه في أحيان كثير كان يتندرعلى صديقه ويغيظه على اساس ما يتمتع به من رضا:" والله يابن الـ.. إنت أشطر مني وأغنى مني ومن غير ما تحمل هم أي حاجة.
عندما كان ممدوح يبدي دهشته: إزاي بقي يانجم النجوم؟! كان أحمد يبدأ الرد بحساب عدد الأفلام التي مثلها صديقه في سنة واحدة وكم تقاضي منها في مقابل فيلم واحد اشترك فيه زكي.. فكان – بحسبه زكاوه – يخرج باستنتاج أن ممدوح يكسب أكثر منه ودون أي مسئولية أو توتر أو منافسة مريره مع آخرين.. هذه المنافسة التي كان أحمد في السنوات العشرة الأخيرة له بموجبها يرفض أن يشترك في عمل لا يوضع اسمه كبطل مطلق على أفيش الفيلم كرد فعل على ما يراه ظلما تحمله لسنوات قبل أن تخضع له النجومية ويعترف به السوق. حكى لي مرات عديده عن محاولات منتجين للجمع بينه وبين عادل امام او محمود عبدالعزيز في عمل واحد وكان يقول بصراحة (مغلفه بتضاحك ساخر): اسم مين الأول ؟! وطبعا عادل ومحمود يستبعدان تماما أيضاً أن يسبقهما أي اسم خاصة هذا الغول ذو الموهبة الطاغية.
كانت مفارقة موت ممدوح وافي قبل زكي عبثية وحزينة اعتقد أنها فاقمت من حالته التي تنامت شراستها.. والتي كان يصر على تجاوزها بالعمل.. وفي المحاولة الأخيرة لإثنائه عن جهد أشفقت عليه من بذله اقترحت عليه عملاً آخر كان قد أرسله إليه صديقه (على سالم) الذي أصر زكي على الاحتفاظ بصداقته رغم مقاطعة كل مثقفي مصر له بعد سفره لإسرائيل ودعمه لوجهة النظر الإسرائيلية ووصل الأمر إلى أن سالم كان أحد الذين عملوا بشكل ما في تفاصيل فيلم السادات التي لم يكتب على تتراته سوى أحمد رجب مع كلمة المعالجة السينمائية لأحمد زكي!!- قلت له يااحمد تعالى – طالما الموضوع فلوس وأنت تعبان نعمل فيلم على سالم.. كوميديا خفيفة وأقدر أخلص دورك في الفيلم في أسبوع تصوير ونبقي عملنا فيلم متفائل بسيط بدل صخب فيلم حليم..!! وبدون أدنى ترددرفض احمد للمرة الثانية أي عمل سوى في الفيلم الذي تقاضي عربونه.
ويمكنني الآن الإعتراف بأن قدراً كبيرا من دوافعي نحو عدم تصوير فيلم حليم كان عدم إعجابي بالسيناريو الذي أبديته في جلسات قصيرة لم تكن تزيد عن ساعة في كل مره احتراما لحالته الصحية.
كان متعلقا بدرجة كبيرة بأشياء كنت اراها ساذجة ولا تضيف شيئا إلى رحلة حليم مثل موضوع المراهقة التي (أرهقت) العمل دون أي معنى سوى (غرابه) رآها الأستاذ محفوظ ومعه زكي في أن شخصية من قريته تهواه إلى هذا الحد؟! كما أنه اقترح أن يكون هناك مذيع يلعب – بشكل ما – دور الراوي متمثلا في شخصية الإذاعي الكبير وجدي الحكيم الذي كان قريبا جدا من حليم في أيام مجده.. ولم تعجبني هذه الإضافة التي تنزع عن العمل روح التدفق العاطفي وتجنح به نحو شواطئ دعائية ساذجة.. وعندما أشرت إلى أحداث كثيرة مرت ببطلنا هي من تجعل من فيلما وثيقة إنسانية صادقة عن شخص انتحرت عندموته النساء بدا منزعجا وغير مرتاح وكأنه يقول: ياعم مجدي مش وقته.. عايزين فيلن بسيط ولذيذ.. قلت إن مسئولية فيلم عن حليم بطولة أحمد زكي ليست مسألة هينة ولا بسيطة.. نحن لا نسعي إلى (النكد) ولكن إلى محاولة صادقة بحجم موهبة حليم وزكي.
طال النقاش إلى أن اقتنع أحمد بأن أحاول (العمل) على سيناريو الفيلم لجعله أقرب إلى تصوري ورؤيتي الفنية والتاريخية.. وكان ما كان..
مجدي أحمد علي