أكرم القصاص

سؤال الأخلاق والدراما.. المجتمع أم الفن من يؤثر فى الآخر؟

السبت، 29 مارس 2025 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بالرغم من أنه سؤال مطروح منذ قرون، لكنه كثيرا ما يتم طرحه بمناسبة ما يعرض فى السينما أو الدراما التليفزيونية، والآن على المنصات، هل الدراما هى التى تصنع وعى المجتمع؟ أم أنها انعكاس للواقع وتعبير عنه، وهل إذا خلت الأفلام والمسلسلات من العنف والمخدرات وظهر الأبطال والممثلون فى أدوار مثالية وخطابية طيبة هل ينجح هذا فى إصلاح المجتمع؟ وهل يمكن إنتاج أعمال تساهم فى نشر الأخلاق وتدعم التربية السليمة؟ ربما يخلط البعض بين الحملات الدعائية التى تحارب العنف والمخدرات والجريمة وتحض على الأخلاق وبين دراما هى فى الأساس للتسلية.

وهذا الجدل يتجدد مع بعض الأعمال الدرامية المعروضة، وبعضها تتعامل مع القضايا الأسرية والعائلية، وتظهر آراء تهاجم موضوعات الدراما، وتراها سبب كل المشكلات الأخلاقية فى المجتمع، وقد تعتبر معالجة قضايا اجتماعية وإنسانية أمر يضخم منها، ويتجاهل هؤلاء أن هذه السلوكيات موجودة فى المجتمع، ولا تخترعها الدراما، ونحن هنا نتحدث عن الأعمال الطبيعية وليس عن الأعمال الفجة التى تمتلئ بالزعيق والعنف والصراخ من دون مبرر أو سبب، وهذا العام الاستثناءات تتعلق بعملين أو ثلاثة من إنتاج خاص بلا شكل ولا تمثيل ولا موضوع.

هذه الأسئلة مطروحة منذ عقود طويلة، وما تزال فى الواقع بلا إجابة حاسمة، وما يحبه المشاهد ويحن إليه ليس كله أعمالا مثالية، بعضها أعمال كوميدية أو دراما أو أكشن، أعمال إسماعيل ياسين ليست أعمالا تربوية وهى مسلية فى الأساس، ونفس الأمر فى كل الأعمال التى تعرض صراعا بين الخير والشر وغالبا ما يبقى الصراع قائما من دون منتصر أو مهزوم، بل إنه فى الواقع غالبا ما يكون الخيرون مهزومين.

هناك نموذج واضح فيما يتعلق بالأفلام الامريكية خاصة التى تمتلئ بالعنف والقتل والسلاح والمخدرات، والبعض يختصر الأمر بالقول إن السينما هى التى تساعد على انتشار هذا العنف، بينما الواقع أن المجتمع الأمريكى نفسه يمتلئ بالعنف والسلاح مصرح به، والولايات المتحدة إمبراطورية ضخمة فيها تنوع وأنواع من البشر والمهاجرين والطيبين والأشقياء وتجار السلاح والمخدرات وتمثل الجريمة أعلى نسبة من الجريمة القتل، وبل والجرائم الجماعية القتل الجماعى وغيرها فى المدارس والجامعات وغيرها، وهناك أيضا مطالب داخل المجتمع الأمريكى بتقنين حيازة السلاح دون جدوى، وهو ما تعكسه أفلام السينما والدراما المختلفة، لأنها ترى أنها تعكس الواقع فى المجتمع ولا تؤثر فيه، وبالتالى من الصعب توقع انخفاض الجريمة حال تقليل العنف فى الأفلام والمسلسلات.

الأفلام والمسلسلات الناجحة هى التى تناقش قضايا موجودة تجعل المشاهد يرى فيها نفسه وما يدور حوله، فى مجتمعه، وعلى سبيل المثال فإن انتشار المخدرات بين الشباب ليس سببه الأفلام والمسلسلات، وإنما وجود تجارة رائجة، وهناك كثيرون فى المجتمع يرفضون المخدرات ويسعون لانتهائها، لكنها تدخل ضمن تجارة وعلاقات معقدة وتشابكات كثيرة، وتتقاطع مع أنظمة وأجهزة عالمية وعصابات، وهناك العديد من الأفلام والمسلسلات دارت حول إمبراطوريات المخدرات ومنها أكثر من عمل حول بابلو اسكوبار وأساطير حياته فى إنتاج وتجارة المخدرات فى العالم، وتضمنت الأعمال حول حياته تفاصيل مثيرة ومفارقات، بعضها أحيانا كان يثير التعاطف معه باعتباره بطلا، بينما هو فى الواقع ضمن مجرمين دمروا ولاتزال تجاربهم تدمير العالم.

الواقع أن السينما والدراما تعكسان ما يجرى فى المجتمع وتعبران عنه، لدرجة أنه فى وقت شيوع أنواع من الاقتصاد الطفيلى كانت هناك سينما تعبر عنه بطريقة طفيلية هى سينما المقاولات، التى كانت تعبر عن نماذج من الإنتاج تشبه المال الذى ينتجها، والواقع ان المشاهد يذهب للسينما أو يشاهد مسلسلا  بسبب القصة والصراع وحجم التشويق والحبكة، وعناصر الإخراج، وأحيانا يتعاطف مع أنواع من المجرمين، وفى الماضى كان هناك إقبال على اعمال فريد شوقى لأنه كان بطلا ينتصر للجمهور فى «الترسو»، حتى لو كان رجل عصابة أو مجرما، كانت الأفلام تتضمن ضربا وقتلا، ومغامرات ورقصا وعلاقات، وكان الجمهور يصفق.


الشاهد أن السينما أو الدراما، تعكس المجتمع، بينما الذى أثر مثلا فى صنع وإنتاج الإرهاب والعنصرية، والجريمة أحيانًا، لم يكونوا فى الدراما، لكنهم كانوا يرتدون أثواب الدعاة أو المصلحين وهم مفسدون وهذه قضية أخرى.


مقال أكرم القصاص بالعدد الورقي 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة