هيثم الحاج على

قهوة المحطة وفخ الغلابة

الجمعة، 28 مارس 2025 01:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ربما تبدو الحبكة الأساسية فى مسلسل قهوة المحطة مألوفة، جريمة قتل فى مكان عام فى ظرف غامض ويقود التحقيق إلى تعدد الخطوط الدرامية بتعدد الشخصيات الموجودة، لنكتشف مع التقدم فى التحقيق علاقات إنسانية وجرائم أخرى متنوعة وشخصيات يكشف التحقيق عن خفايا حيواتها، وهى الطريقة التى تمت معالجتها من قبل فى أفلام مثل المذنبون والفرح وكباريه وغيرها، حيث تشابك الخطوط المتعددة هو ما يصنع ثراء العمل ورؤيته الأساسية.

لكن الأمر هذه المرة يبدو على درجة من الصعوبة والدقة فى الربط بين الخطوط المتعددة لصناعة مجموعة من الرسائل التى تتسرب داخل العمل بنعومة شديدة، ساعد فى بنائها السيناريو المكتوب بحرفية، والذى على الرغم من زحام الشخصيات فهو لا يضع أى حشو فى إطار عرض الأحداث، ساعده فى ذلك بناء كل شخصية الذى حدد أطرها المحركة لأحداث كل منها في تركيب شديد النعومة يهدف للكشف أولا وأخيرا.

وربما تبدو تلك اللحظة العادية التي تتحول إلى جحيم أو كارثة كما أشار (مؤمن) بطل العمل هي تلك اللحظة التي تتكشف فيها الخبايا لتسقط أقنعة الشخصيات واحدة تلو الأخرى، ونرى خلف العلاقات الإنسانية شبكة معقدة جدا من الحوافز تجعل من الحقيقة الغائبة بطلا لكل الأحداث فتنقلب الصور، التي لا يبدو فيها ثابتا سوى ذلك الشاب الصعيدي الآتي إلى القاهرة باحثا عن فرصة للدخول إلى عالم التمثيل، وهي الفرصة التي يفقدها قبل أن يبدأ، لكنه يبقى على أمل تكرارها، فيبدأ بشخصيته الشفافة النبيلة التي تقوم بفعل الصواب دون مراعاة لأي من حسابات المدينة الكبيرة، لينتهي الأمر بمقتله وسط زحام المقهى في لحظة ساد فيها الظلام، لتبدو رمزية اللحظة القاتلة للشباب الحقيقي وظلامها وزحامها وضغطها، قتلا ماديا وقتلا لأحلامهم ومستقبلهم عندما تغيب الرؤية.

لم يكن الأمر إذن مجرد مسلسل بوليسي لكنه صرخة جريئة أطلقها عبد الرحيم كمال كاتب السيناريو، ونقلها بحرفية إسلام خيري مخرج العمل، الذي استطاع تحريك كل عناصر العمل بدقة بداية من الممثلين الشباب الذين برزوا نجوما مبشرين، وباقي العناصر التي تضافرت ليكون العمل على هذا القدر من النعومة والشفافية والإنسانية على الرغم من بنائه على جريمة قتل.

لكن الأهم في هذه الصرخة أنها تكشف عن مكونات لحظة تاريخية يحتاج فيها هذا المجتمع إلى إعادة ترتيب أولوياته حتى يصبح للشباب الذين يمثلهم مؤمن دور حقيقي وطريق واضح يتعدى مجرد لقطات دعم الشباب إلى خلق مستقبل حقيقي لهم أو على الأقل عدم وضع العراقيل أمامهم، فتحية لكل صناع هذا المسلسل المتميز الذي خرج من عمق الأزمة وحاول التعبير عنها فصور مجتمعه صورة حقيقية انحازت إلى (الغلابة) لتكشف عن فخهم وفخنا.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة