ما بين التأسيس والتوهج والاغلاق والتدهور ...ظل مسرح التليفزيون في انتظار من يمنحه قبلة الحياة ويعيد اليه توهجه وبريقه مرة أخرى ويستعيد الوعي المفقود لذاكرة مبنى التليفزيون العربي- سابقا- و مبنى التليفزيون المصري( ماسبيرو )حاليا.
في السنوات الماضية لم يعرف الكثيرون من داخل وخارج المبنى أن هناك مسرحا رائعا داخل المبنى يتسع لأكثر من 600 فرد كان شعلة للنشاط المسرحي والفني في زمن الستينات والسبعينات والثمانينات. ومع التحولات والتغييرات التي طرأت على مصر، كان لمسرح التليفزيون نصيبا منها. تدهورت أحواله وتوقفت حفلاته و غابت فرقته الشهيرة.
كانت بداية هذا المسرح مع إنشاء التليفزيون المصري عام 1960 وفى عام 1962 تم إنشاء 3 فرق مسرحية بمسرح التليفزيون هي «النهضة» و«الحرية» و«السلام»، وانضمت لها في 1963 «الكوميدية» و«الشعب» و«النصر» و«التحرير».
وقدمت هذه التجربة أكثر من 34 مسرحية في عام واحد وكانت كل فرقة من هذه الفرق قد تخصصت في تقديم لون معين من المسرح، ففرقة المسرح الكوميدي (المدبوليزم)التي كان الفنان عبدالمنعم مدبولي مديرا لها، اعتمدت على مجموعة فناني «ساعة لقلبك» ومنهم فؤاد المهندس ومحمد عوض وأمين الهنيدي وخيرية أحمد ومعهم مدبولي، وسمير خفاجة.
تعرضت الفرقة لهجوم وانتقاد صحفي كبير لأنها مدرسة مسرحية تدعو للضحك من أجل الضحك فقط وتخلو من الأهداف الاجتماعية المتماشية مع الاشتراكية، وكان ذلك سببا في تكوين فرقة " الفنانين المتحدين" بعيدا عن مسرح التليفزيون ظل يقدم كل أسبوع عرضا مسرحيا جديدا، وخلال فترة بسيطة تمكن المسرح من إنتاج أعمال نافس بها العروض التي قدمتها مسارح البيت الفني لفترة طويلة، وتخرج فيه العديد من الفنانين، الذين استهوتهم السينما ليصبحوا نجوما.
لم تستمر التجربة وتعرض المسرح لمرحلة تدهور واغلاق على فترات متباعدة ولم يعد مستغلا في حفلات غنائية أو في إعادة احياءه فرقته المسرحية رغم بعض المحاولات من الفنان محمد صبحي أنتج لصالح التليفزيون مجموعة عروض لأحياء أعمال مسرحية، ومنها «لعبة الست» و «سكة السلامة» و "كارمن" ثم توقفت التجربة.وكانت هناك محاولات أخرى مع بداية الألفية الجديدة مع إنتاج التليفزيون، ومنها مسرحية «يا غولة عينك حمرا» للراحل نور الشريف والمخرج حسن عبدالسلام، المفارقة أنه رغم وجود مسرحا للتليفزيون داخل المبنى الا ان الإدارات السابقة قامت بتأجير احدى المسارح – مسرح يوسف السباعي- في مصر الجديدة لتقديم عروض مسرحية عليه لصالح التليفزيون، الا أن التجربة لم تلق النجاح والاستمرار وكان آخر هذه المحاولات مع وانتهى الأمر بتنازل التليفزيون عن هذا المسرح فى 2010 بعد أن اعتبر إيجاره أموالاً مهدرة دون اجراء تحقيقا عن المسئول عن الإهدار..!
وجرت محاولات لإحياء المسرح داخل المبنى الا أن صلاح عبد المقصود وزير اعلام جماعة الاخوان أصدر قرارا " اخواني" بإغلاق المسرح بصورة نهائية
عودة الحياة لمسرح التليفزيون مرة أخرى جاءت بعد 13 عاما من الاغلاق ومحاولات العودة عقب تولي أحمد المسلماني رئاسة الهيئة الوطنية للإعلام في 25 نوفمبر الماضي الذي اتخذ قرارا شجاعا بإعادة افتتاح مسرح التليفزيون وعودة النشاط اليه مرة أخرى وكانت البداية في فبراير الماضي مع حفل تكريم أبطال مسلسل" أم كلثوم" في ذكرى اليوبيل الذهبي لرحيل الست و25 عاما على انتاج التليفزيون لهذا العمل الفني الضخم عن سيرة كوكب الشرق.
ويوم السبت الماضي توهج مسرح التليفزيون مرة أخرى بأمسية روحانية وانشادية في حب الرسول الكريم لزعيم المداحين الشيخ ياسين التهامي بحضور وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري والفنان سامح الصريطي وكرم أحمد المسلماني الفنان سامح حسين على برنامجه " قطايف " على " اليوتيوب".
عودة الوعي المفقود لمسرح التليفزيون أحيا الأمل في استعادة ماسبيرو رسالته الفنية والغنائية مرة آخرى وفقا خطة تطوير جادة وليس لمجرد مناسبة أو حفلة. فعودة فرقة أو فرق مسرح التليفزيون باتت ضرورة عاجلة في ظل تراجع مسرح القطاع الخاص لاستيعاب المواهب المصرية الشابة للمسرح من جديد. فعدد كبير من المسارح قد أغلق أبوابه. وهنا يبرز دور مسرح التليفزيون.
عودة المسرح أيضا أحيا الآمال في عودة حفلات ليالي التليفزيون بالنجوم الكبار مع المواهب الغنائية الجديدة كما كان في السابق ليصبح مسرح ماسبيرو منصة فنية مهمة لتقديم المواهب الجديدة مثلما كان يحدث في السابق مع حفلات أضواء المدينة التي انطلق منها الكثيرون مثل عايدة الشاعر وعفاف راضي وعماد عبد الحليم وغيرهم.
المسئولية كبيرة وتحتاج الى عمل ومجهود شاق لكن الأمل والحلم في عودة ماسبيرو الى مكانته العريقة يستحقان ذلك.