أحمد طنطاوى

عام لتعزيز الهوية.. مقترح سنة "وجدانية" تلى الثانوية

الخميس، 20 مارس 2025 06:20 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نلاحظ عندما نتابع مناهج التعليم المصرية حتى الثانوية العامة غياب المعلومات الوطنية "ذات الخصوصية"، تلك التى تتركز فيها أكثر صبغة مصر "كبلد قديم مميز"، كما نلاحظ سوء مستوى الطلاب ـ بصفة عامة ـ فى لغتهم الوطنية "اللغة العربية"، رغم تلقيهم لمناهجها على مدى 9 سنوات يقضيها التلميذ/ الطالب فى دراسة "النحو والصرف" الذى يبدأ من الصف الثالث أو الرابع الابتدائى، وبالتالى نحصل على خريج جامعة ليس على تماس جيد بمناطق شديدة الأهمية من "ملامح بلده/ ملامحه الوطنية"، فضلا عن غياب الدعم المدروس الموجه لـ"وجدان" لطالب، فى خضم الحشو المعلوماتى الذى يركز على الموضوعات لا الذات (الذات الجمعية والفردية)، فتغيب سبل تعزيز الخلفية الفكرية والنفسية والشعورية للإنسان المصرى الجديد.

ومن ثمّ أقترح اقتراحا مكونا من غلاف ولُب

الأول (الغلاف) هو تخصيص عام دراسى كامل لتعويض الطالب عن غياب هذه المعلومات "الملامحية/ الوجدانية الداعمة للذات الجمعية والفردية"، وأرى أن أنسب فترة لهذه السنة هى التى تلى الثانوية العامة وما يوازيها، فمن خصائص هذه المرحلة استقرار شكل الفرد من حيث الملامح والجسم، والوصول إلى النضج العقلى الداعم لمهارات التحليل والتحصيل، والاتجاه لاكتساب الميول المهنية، فيبدأ تشكل الهوية، لكن هذا لا يعنى أنها فترة استقرار ونمو مطرد، بالعكس قد يعانى الفرد فيها من الاهتزاز الفكرى أو النفسى، وقد يصل بعده للاستقرار أو لا يصل، ومن ثمّ يلعب الدعم الذى قد يتلقاه فى هذه المرحلة دورا فى حمايته وتوجيهه.


أما الجزء الثانى (أى اللب) فهو يقترح منى ومن غيرى، ويختص ببعض صور المعلومات المطلوبة لهذه السنة، وأرى أن تقتصر هذه المعلومات على ما يدعم الذات الجمعية والفردية من النواحى التعبيرية والوجدانية والنفسية، فيدرس الطالب اللغة الوطنية بشكل "مجموع" يربط ما تناثر من موضوعاتها على مدى السنوات التسع السابقة، على أن تقتصر الدراسة على ما هو مستعمل من الأساليب، وبشواهد مستقدمة من واقع الاستخدام الفعلى، لضمان نفى الأساليب التراثية المهملة والفروع الجافة التى تعج بها خريطة النحو التقليدية، علما بأن قواعد اللغة ليس نحوا فقط، والغاية من هذه الدراسة أمران: دعم الهوية الوطنية (اللغة هوية) ودعم القدرة التعبيرية، ذلك أن العجز اللغوى يتبعه تشوش انتماء، وعجز فكرى.

أما ثانى المواد التى اقترحها للدراسة فهى التاريخ، لكن ليس التاريخ السياسى، وإنما التاريخ الاجتماعى والثقافى والفنى للأمة المصرية، التاريخ غير الرسمى، الذى يستقى مادته من الفلكلور والتراث الشعبى، وتاريخ المدن والقرى المصرية وعبقرية الموقع والموضع، والذى يكشف عن شخصيات مصرية عظيمة أو غير عظيمة، وأيام مصرية مجهولة بيضاء أو سوداء، مثل: ثورة البشموريين، ويوميات الفدائيين فى القناة المحتلة أيام الإنجليز، وتاريخ الفيلق المصرى الذى جنده الاحتلال البريطانى قسرا من 530 ألف فلاح مصرى ما زالت مقابرهم إلى الآن فى خمس دول أوروبية، ومقتطفات مما كتبه الجبرتى وابن خلدون، وكفاح أهل ديرمواس ضد الإنجليز، أو نجع البارود ضد "الفرنسيس"، وسيرة طلعت حرب المضيئة، وخاير/ خاين بك المظلمة، وما لم يُحكَ من قصة على بك الكبير ومحمد أبو الدهب، وقبل كل هذا صفحات من تاريخ مصر القديمة ومن الأدب المصرى الأول، باختصار: نقدم لهم التاريخ غير الرسمى الذى يعمّق جذورهم فى الأرض التى انبتتهم، ولدينا مصادر كثيرة لهذه المادة، منها: شخصية مصر لجمال حمدان، وكان وأخواتها لجمال بدوى، وغيرهما.


وتأتى الجغرافيا الثقافية والسياحية المصرية (ليست الجغرافيا الطبيعية) كثالث المواد المقترحة، جغرافيا الفنون، والعمارة، والموسيقى، والعادات والتقاليد واللهجات، أى ما يجب أن يعرفه المصريون عن مصريتهم، على أن تحتوى هذه المادة على زيارات ميدانية للآثار، والمدن والمؤسسات والمساجد والكنائس والمعابد المصرية، والتعريف بالدوائر التى تنتمى إليها مصر: الإقريقية والإسلامية والعربية والشرق أوسطية وثقافة حوض البحر المتوسط.


ورابع هذه المواد هى مادة دينية تهدف لمقاومة الأفكار الشاذة من تطرف أو إلحاد، بما يظهر عظمة ووسطية الدين، وأقترح لها كتب مثل: حوار مع صديقى الملحد لمصطفى محمود، والأدلة المادية على وجود الله للشيخ محمد متولى الشعراوى، والتوراة والإنجيل والقران والعلم لموريس بوكاى وغيرها، إلى جانب كتب تفكيك الإيديولوجيا الخاصة بالتطرف، وللأزهر الشريف باع طويل في هذا.


وخامس موادى المقترحة هى مادة عن "الجندية والقيادة" وتهدف إلى غرس قيم العمل الجماعى والتطوعى والوطنى والإيجابية السياسية واحترام القانون فى نفوس النشء.


وسادسا وأخيرا مادة اختيارية كنشاط يمارسه الطالب بشكل عملى أو مدروس من فن أو فكر أو ثقافة، مثل: النحت أو التصوير، أو تمثيل، أو موسيقى (آلة معينة)، أو نشاط رياضى، عمل فكرى أو علمى.. إلخ.


على أن تكون هذه المواد:


1 ـ قليلة العدد (ستة على الأكثر) أى أن الكم فيها موظف لصالح الكيف
2 ـ  ممتدة طول العام بامتحانين، ومصحوبة بأبحاث وتقارير وأنشطة
3 ـ يكون النجاح بالتقديرات لا الدرجات، والحد الأدنى لتجاوزها هو جيد أو ٦٥%
4 ـ تنتهى بمشروع لعمل جماعى تطوعى أو خدمة لصالح البلد
5 ـ أن تكون هذه السنة 12 شهرا وليس 9 أشهر
6 ـ قد تمتد هذه السنة للجامعة (لبعض الفئات وبشكل اختيارى) بعدد من الكتب والمقررات التى يتم دراستها بالتوازى مع المقررات الجامعية العادية
7 ـ دعمها بزى موحد أو زين (صيفى وشتوى)
8 ـ دعمها بالأدوات المدرسية والوسائل المعينة، والعمل الميدانى


أهداف هذه السنة:


1ـ ضبط اللسنة النشء وأقلامهم بالحد الأدنى المقبول ـ على الأقل ـ للقضاء ع العجز اللغوى فيما يتعلق باللغة الرسمية/ لغة الكتابة والتعبير  (التقويم التعبيرى)
2ـ تدعيم الهوية والانتماء الوطنى بكشف الملامح الخاصة بكفاح هذا البلد وتاريخه غير الرسمى وتنوعه الثقافى والفلكلورى والفكرى وإدخال النشء فى نظام متجول داخل الوطن، يزورون به أطراف البلد وأماكنها التاريخية والحيوية (التقويم الفكرى)
3ـ مكافحة الأفكار الهدامة من تطرف أو إلحاد (التقويم الفكرى النفسى)
4ـ غرس قيم العمل الجماعى والوطنى والتطوعى، ونفى السلبية السياسية (التقويم الاجتماعى)
5ـ تنمية الجانب الفني والإبداعى لدى الإنسان المصرى الجديد (التقويم الوجدانى)

المشاكل المتوقعة:


بالطبع سيكون هناك بعض المشاكل مثل فراغ السنة الأولى من الجامعات المصرية لعام واحد، وتأخر تجنيد بعض الفئات من الشباب، والدعم المادى المطلوب، لكنها كلها مشاكل قابلة للحل، فقد سبق أن حدث فراغ مشابه عندما تم إلغاء الصف السادس الابتدائى عام 1988 وإعادته عام 2004، فضلا عن كوننا متخصصين فى تجديد وتجريب المناهج كل بضعة سنين، فقد غيرنا مناهجنا 9 مرات فى الربع قرن المنصرم، فماذا لو جربنا هذه الفكرة، أما بخصوص الدعم المادى فأعتقد أن تقليص بعض "أوجه الإنفاق" الحكومى أو ضغط الميزانية فى عدة بنود كفيل بتوفير مبلغ محترم لهذه السنة بالغة الأهمية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة