عبقريات العقاد الجزء الثالث.. كيف تناول شخصية عمر بن الخطاب؟

السبت، 15 مارس 2025 02:00 م
عبقريات العقاد الجزء الثالث.. كيف تناول شخصية عمر بن الخطاب؟ عبقرية عمر
كتبت إسراء إسماعيل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يهتم المسلمون بقراءة الكتب التي تتناول سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقصص أصحابه رضي الله عنهم، بل إنهم يُكثرون من قراءتها في شهر رمضان المبارك، ليعرفوا كيف آمن الصحابة بالله ورسوله، وكيف صبروا على ما مروا به من ابتلاء في المال، والنفس، والوَلد، فيتخذونهم قدوة ومثلاً أعلى في حياتهم..

لذا أحببنا في شهر رمضان المبارك، أن نستعرض لكم في حلقات منفصلة، أبرز الكتب التي تحكي سيرة النبي وأصحابه، أو الكتب التي تُحلِّل شخصياتهم ومواقفهم، وتعرض أسلوب حياتهم، وترد على بعض الشبهات، التي أثيرت حول النبي والدعوة الإسلامية.

عبقرية عمر.. عباس محمود العقاد:

لا شكَّ أن شخصية عمر بن الخطاب من أكثر الشخصيات التي قتلها المؤرخون والنُقّاد بحثًا، لكن العقاد يعترض على أسلوب تناولهم لشخصية عمر، فمنهم مَن يُبالغ في وصف عدله حتى يُصبح العدل ظلمًا، ومنهم مَن يُسرِف في ذكر أخطائه وحسناته، ويرى أن كل خطأ أو عيب في شخصيته يُقابله حسنة أو ميزة جيدة، وهذا -في رأي العقاد- أمر غير مقبول، فالصواب أن نتناول الأخبار الواردة عن الشخصية، ونعمل على فحصها وأخذ المقبول منها، وترك المبالغ فيه.
يتحدث العقاد في بداية فصول هذا الكتاب عن معنى العبقري، التي جاءت في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "لم أرَ عبقريًا يفري فريه"، ويُوَضِّح أن معنى العبقرية في عصرنا لا تختلف كثيرًا عن معناها في العصور القديمة، وأنَّ عمر كان يملك طاقة هائلة ظهرت مع ظهور الإسلام، ولولا الإسلام، لَما سمِع العالم بعمر بن الخطاب، واندثرت سيرته كسابقيه.. ثم يذكر العلامات التي تدل على العبقرية من وجهة نظر المتخصصين، فغزارة الشعر ونزارته "قلته"، وطول الشخص وقصره أمثلة على علامات العبقرية.

ثم ينتقل في الفصول التالية إلى صفات عمر، التي نكتشف أنَّ بعضها جزء من شخصيته، فالعدل، والغَيْرة، والرحمة، وقوة الجسد كانت صفات متأصلة في بني عَدِيّ، فبنو عَدّي كانوا يُحكِّمون بين قريش في نزاعاتهم، والقوة ورِثها من أبيه الخطاب، أما الرحمة فورِثها من عمِّه زيد بن نُفَيْل، فعمر كان حنونًا على إخوته قبل الإسلام، ومن خلال رعيه لإبل أبيه وجلوسه في الصحراء فادته في تقييم المواقف وترويض النفس.. ولا يتنافى عدل عمر مع رحمته، إذ كان يدرأ الحدود عند الشبهات، ويحنو على الصغار، وغيْرته على نساء المسلمين، هي صفة من صفات العرب، إلا أن عمر كان أشدَّ غيرة من غيره، فكان إلحاحه في فرض الحجاب على أمهات المؤمنين، حماية لهُنَّ من شرار النفوس، وسترًا لأعراض المسلمين، وغَيْرة عمر لم تكن على العرض وحسب، بل كانت على الدين، فهو في الجاهلية كان يغار على حرمات دينه، لذا كان يُحارب الإسلام، وبعد الإسلام أصبح أكثر غيرة على دين يدعو إلى مكارم الأخلاق.

يذكر الكاتب أن بعضهم كان يقسو في ذكر عدل عمر، وقسوته على أبنائه، ففي شرب ابنه عبد الرحمن للخمر روى عمرو بن العاص خبرًا ذكر فيه أن عبد الرحمن بن عمر جاءه مع أبي سروع يطلبان منه إقامة حدِّ شرب الخمر عليهما بعد أن شربا، فزجرهما وصرفهما على ألاّ أعودا لهذا، لكن عبد الله بن عمر أبى إلا أن يُقام الحد على أخيه، فلا تهاون في حدود الله، فجُلِد عبد الرحمن وأبو سروع وحلق عبد الله شعر أخيه، إذ كانوا يحلقون الرؤوس في تطبيق حدِّ الخمر، فلما بلغ هذا عمر، أرسل يطلب ابنه عبد الرحمن، فلما جاءه همَّ ليجلده، فقال لأبيه: "إني مريض وأنتَ قاتلي"، فمات بعد شهر، بسبب الحمى التي أصابته من الجلد، لكن عبد الله بن عمر ينفي وفاة أخيه لهذا السبب، فيروي الواقعة ذاتها، لكنه لم يذكر ما قاله أخوه لأبيه حين حضر، ويذكر أنَّ أخاه مكث أشهرًا في عافية، ثم مات، لكنه لم يمت بسبب أبيه.. وينفي الكاتب روايات أخريات يؤكد أصحابها أن الفتى مات وأبوه يجلده، أو أن أباه ظلَّ يجلده حتى بعد موته، فهذه مبالغات لا ينبغي الأخذ بها، فعمر يقسو على أبنائه، لأنه الخليفة، وإن اختلفنا معه في الرأي، لكنه لن يقتل أبناءه.
ويذكر الكاتب أنَّ عيبًا واحدًا كان يُلازم عمر في الجاهلية، وهو حبه الشديد للخمر، لكنه بعد إسلامه كان يُراجع النبي فيها حتى حُرِّمت.

ويذكر الكاتب مفاتيح شخصية عمر، فقوته في الحق يضبطها إيمانه واقتداؤه بالنبي، وطاعته لأبي بكر، فهو كالجندي، يطيع أميره، وإذا كان أميرًا يطيعه جنوده، شرط ألاّ يخالف دينه وسياسة نبيه.

ثم يذكر الكاتب قصة إسلام عمر، والتي رويت بأكثر من رواية، فأشهرها أنه توشح سيفه يومًا، يبغي قتل النبي، لكن نعيم بن عبد الله أخبره أنّ أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد قد أسلما، فذهب إليهما وحين سألهما سأله سعيد سؤالاً آخر: "أرأيت لو كان الحق في غير دينك؟"، فهجم عليه عمر وضربه، وحين حاولت أخته فاطمة الدفاع عن زوجها، ضربها حتى شجها، فقالت: "أسلمنا على رغِم أنفك"، فلمّا نظر إلى ما صنعه بها ندِم ورقّ قلبه، وكانت قد خبأت الصحيفة التي كانوا يقرؤون فيها في ثيابها، فلما رآها طلب منها أن تعطيها له، فلما قرأها قال: "ينبغي لمَن يقول هذا ألاّ يُعبَد معه غيره"، ثم ذهب إلى النبي وأسلم.. وليس معنى ضربه لأخته حين علِم بإسلامها أنه قاسي القلب، بل هي غيرته على دينه كما ذكرنا، فهو يكره الفتنة، ويكره أن تتفرق العرب، وأن تُحارَب قريش في دينها، ويكره أن تخالفه قبيلته، إذ كان وقتها سيد بني عَدِيّ، لكن هذا لا ينفي رحمته وحبه لأخته.

وهناك رواية أخرى، تحكي أنه سمِع النبي يصلي يومًا في عند الكعبة، وسمِعه يقرأ بعض الآيات فوقعت في نفسه، فأسلم.. ويرى أن الكاتب كل تلك الروايات لا خلاف عليها، فربما سمِع عمر بعض الآيات من النبي عند الكعبة، فوقعت في صدره، فلما لقِيَ أخته وزوجها وقرأ طه، حسم أمره وأسلم.. ويحكي الكاتب في هذا الفصل عن شجاعة عمر، إذ عزم على إعلان إسلامه لقريش، فراح يطرق أبواب بعضهم، ويذهب إلى دار الندوة فيُعلن إسلامه، فيعملون على ضربه كما كان يضرب المسلمين من بني قومه، بل إنه ردَّ جوار أحد أخواله، حتى يؤذى مثل ما يؤذى المسلمون.. والأشجع أنه يوم هجرته إلى المدينة ذهب إلى الكعبة فطاف وصلى، ثم نادى في قريش فقال: "يا معشر قريش.. اعلموا أني مهاجر، فمَن أراد أن تثكله أمه ويؤتم ولده، فليلقَني خلف هذا الوادي".

ثم ينتقل للحديث عن عمر والدولة، فالمؤرخون يعتبرونه مؤسسًا للدولة الإسلامية، فليس شرطًا أن يكون الخليفة الأول هو المؤسس الأول، فعمر استحق لقب مؤسس الدولة عن جدارة، إذ أسرع إلى السقيفة يوم البيعة، وحين قدَّم أبا بكر للخلافة، ثم دعوته لمَن تخلّف عن بيعة أبي بكر أن يُعَجّل ببيعته، اتقاءً للفتنة وقطعًا لكل لسان يحاول إثارة الفتنة بين المسلمين، ومراجعته لأبي بكر لجمع القرآن، ثم إدارته الحسنة للدولة، فأسس الدواوين ونظّم البريد، وبنى المدن وحفر الخلجان، كما أن عمر وضع أسس تعيين الولاة، واهتم بالفتوحات اتقاءً لخطر العدو، وساوى في الحدود بين الناس، فلم يُفضِّل شريفًا على وضيع.

ثم يتحدث الكاتب في فصول متقدمة عن ثقافة عمر، إذ كان يحب الشعر، ويهتم بالأنساب كأبي بكر، ويوصي بتعليم الأبناء الرياضة، والأدب، وفنون القتال، وكان يحب الغناء ما لم يكن مجونًا، أو يُلهي عن ذكر الله.. ثم يتحدث عن عمر في بيته، فهو رحيم بأهله وإن كان خشِن العيش شديد الطباع، لكنه يخفي وراء تلك الصفات رحمة ومودة، حتى أنَّ عاتكة بنت زيد رثته بعد موته، بأبيات ذكرت فيها فضائله.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة