د. عبد الحليم إبراهيم كرسون

عجائب وفضائل الليالي والأيّام لأمة الإِسلام

الجمعة، 14 مارس 2025 05:53 م


إنَّ اللهَ ﷻ يخلُقُ ما يشاءُ ويختار، وقد اختارَ لأُمَّةِ الإسلامِ أفضلَ الأَزْمِنَةِ والأمكنةِ والأنبياءِ والكُتُبِ، فاختارَ لها أطهرَ بِقَاعِ الأرضِ، كما في المسجدِ الحرامِ، والمسجدِ النبويِّ الشريفِ، والمسجدِ الأقصى، واختارَ لها أفضلَ الأَنبياءِ، وهو سيِّدُنا محمَّدٌ ﷺ، كما اختارَ لها أفضلَ الأزمنةِ، ومنها:
يَومُ مِيلَادِ الرَّسُولِ ﷺ:
ذلك اليومُ المباركُ الذي مَنَّ اللهُ ﷻ فيه على البشريَّةِ جمعاءَ، فأهدى لهم رَحمَتَهُ للعالمين، وخاتَمَ رُسُلهِ إلى الخلائقِ كافَّة، برسالةٍ من السماءِ، جاءت تُنظِّم الحياةَ على هذا الكوكب، بشريعةٍ صالحةٍ لكلِّ زمانٍ ومكان، ومبادئَ عامرةٍ بالرَّحمةِ والعَدلِ والإنسانيَّةِ، لا تَشملُ البشرَ وحدهم، بل تمتدُّ إلى سائرِ المخلوقاتِ، إنَّهُ يومُ الفَرَحِ والتَّجديدِ والرَّحمةِ الَّذي عمَّ الكونَ بقدومه ﷺ.
يَومُ الجُمُعَةِ:
وهو عيدُ الأُسبوعِ في الإسلامِ، وقد قال عنه النبيُّ ﷺ: "خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليهِ الشَّمْسُ يَومُ الجُمُعَةِ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَومِ الجُمُعَةِ" [رواه مسلم في صحيحه].
وَقتُ السَّحَرِ:
وهو الثُّلُثُ الأخيرُ من الليلِ، يأتي كلَّ ليلةٍ وتُفْتَحُ فيه أبوابُ السماءِ، وتتنزَّلُ فيه رَحماتُ اللهِ ﷻ، ويُستجابُ فيه الدعاء، وتُغْفَرُ الذُّنوب. قال تعالى: "وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ" [الذاريات: 18]، وثبتَ في الصحيحين من غيرِ وجهٍ عن جمعٍ من الصحابةِ، أنَّ النبيَّ ﷺ قال:
"يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِر، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَه؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟...".
يَومُ عَاشُورَاء:
وهو اليومُ الَّذي نجَّى اللهُ فيه موسى عليه السلام ومَن آمنَ معهُ من بطشِ فرعون،
فصامَهُ موسى شكرًا لله، فلما قدمَ النبيُّ ﷺ المدينةَ، ورأى اليهودَ يصومونه، قال: "نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ"، فصامَهُ وأمرَ بصيامِه، وقال ﷺ :"صِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ"  [رواه مسلم].
يَومُ عَرَفَة:
وهو من أعظمِ أيَّامِ السنةِ وأفضلِها، قال النبي ﷺ: «ما مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِندَ اللهِ مِنْ يَومِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللهُ تَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ»، وفي رواية: «إنَّ اللهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَةَ مَلَائِكَتَهُ، فَيَقُولُ: يَا مَلَائِكَتِي، انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي، أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ»، وقال ﷺ: «صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» [رواه مسلم]، وفي حديثِ عائشةَ رضي الله عنها، قال رسولُ الله ﷺ: «ما مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَومِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟» رواه مسلم.
يَومُ النَّحرِ:
وهو يومُ الحَجِّ الأكبر، وسُمِّي بذلك لاجتماع أعظم أعمال الحجّ فيه، كالمبيتِ بمُزْدَلِفَة، ورميِ جَمرَةِ العَقَبَة، والنَّحرِ، والحَلْق، وطوافِ الإفاضة، وقد ورد في سنن أبي داود (1765) عن النبيِّ ﷺ: "إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ".
يوم القَرِّ:
وهو اليومُ الذي يلي يومَ النَّحر، وقد بَيَّنَ النبيُّ ﷺ أنه من أعظم الأيام، فقد روى أحمد وأبو داود والحاكم عن النبيِّ ﷺ أنه قال: "أعظمُ الأيَّامِ عندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ، ثمَّ يَومُ القَرِّ"، وهذان اليومان، ومعهما يوم عرفة، من أفضل أيَّام الدنيا كما أخبر سيدنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم.
عَشرُ ذي الحِجَّة:
وهي الأيّام العشر الأولى من شهر ذي الحجة، وقد أخبر النبيُّ ﷺ بأنها من أعظم الأيّام وأفضلها عند الله تعالى.
فقد أخرج البزار بسندٍ حسن، وأبو يعلى بسندٍ صحيح، عن جابرٍ رضي الله عنه، أن النبيَّ ﷺ قال: "أفضلُ أيَّامِ الدُّنيا العَشْرُ" – يعني عشرَ ذي الحجة، قيل: ولا مِثلُهُنَّ في سبيلِ الله؟ قال: "ولا مِثلُهُنَّ في سبيلِ الله، إلا رجلٌ عَفَّرَ وجهَهُ بالترابِ".
لَيْلَةُ القَدْرِ:
وهي ليلةٌ ذاتُ فضلٍ عظيمٍ وشأنٍ جليل، اختصَّها الله تعالى بالشرف والمنزلة، فجعلها مباركةً، ونَزَل فيها القرآن الكريم، وهو كلامُ اللهِ المعجِز، المُنزَّه، والمحفوظُ ليومِ الدِّين.
قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ [الدخان: ٣]، ووصفها بقوله: ﴿لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: ٣]، وهي ليلة تتنزَّلُ فيها الملائكة والرُّوحُ بأمر الله، وتملأ الأجواءَ بالسَّلام حتى مطلع الفجر، وقد أخبر النبيُّ ﷺ أنَّها في العشر الأواخر من رمضان، وأكد على التماسها في الليالي الوترية منها، وقال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ۝ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر: ١–٢]، والمقصود بها -كما رجّح كثير من العلماء- ليالي العشر الأواخر من رمضان.
شهرُ رَمَضان:
شهرُ الصيامِ والقيامِ، وشهرُ القرآنِ والرحمات، شهرُ التوبة والمغفرة، والعتق من النيران، تُفتح فيه أبوابُ الجنَّات، وتُضاعف الحسنات، وتُجاب فيه الدعوات، وتُرفع فيه الدَّرجات، وتُغفر فيه الزلّات، وهو الشهرُ الذي فَرَضَ الله تعالى صيامه، وجعله ركنًا من أركان الإسلام، فصامه النبيُّ ﷺ، وأمر أمَّتهُ به، وأخبر أنَّ: "مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه"، "ومَن قامه إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه." [متفقٌ عليه]، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهر، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ.
فَهنيئًا لأمَّةِ الإسلامِ بأيَّامها المُباركة، ولياليها الفاضلة، وأوقاتها المضيئة، وحقٌّ عليها أن تُكثِر من الحمدِ والشكر، أن رزقها اللهُ مواسمَ الخير، ونفحاتِ الرَّحْمَة، التي مَن تَعرَّض لها فاز ونال ما تَمنَّى.
وقد صدق رسولنا الكريم ﷺ إذ قال: "إنَّ للهِ تعالى في أيَّام دَهْرِكم لنفحاتٍ، ألا فتعَرَّضوا لها، فلعلَّ أحدكم أن يُصيبَ نَفحةً لا يشقى بعدها أبدًا".




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة