الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه، ومن والاه، وبعد،
فإن السمو الخُلُقى غرض أساس من إقامة أركان الإسلام، وإن العبادات ومكارم الأخلاق وجهان لعملة واحدة، لا يمكن فصل أحدهماعن الآخر، والعبادة إذا أثمرت فى صاحبها مكارم الأخلاق؛ كان ذلك دليلا على أنه أداها على الوجه الأكمل،ومؤشرًا على قبولها مِنَ اللَّهِ تعالى.
وإن آفات اللسان من: الفحش واستباحة الكَذِبِ، وقول الزور، والسخرية من الناس، والغيبة والنميمة، من الأخلاق الاجتماعية التى يبغضها الإسلام، ويحذر منها، ويحرص على اقتلاع جذورها؛ لما تؤدى إليه من تعكير صفو الأخوة بين المسلمين، وإحلال التنافر والتباغض بينهم محل المحبة والألفة.
ومما لا شك فيه أن الصائم المتأدب بأدب الإسلام، المترسم هدى المصطفىﷺ، المستمسك فى وعى بما جاء فى كتاب الله تعالى مما يسهم فى تربية الفرد وتعديل سلوكه، لَيحذرُ ما وسعه الجهد أن يتردى فيما نهى عنه الشرع أو ينغمس فيما بَغض فيه وحذر من مغبته من سيئ الأخلاق ومرذول العادات.
وما زال شهر رمضان يغرس فى المؤمنين معانى الإيمان وصفات الكمال، ويدعوهم إلى حفظ ألسنتهم وسائر جوارحهم عن كل ما حرم الله تعالى.
وإن معنى الصوم فى الإسلام أوسع وأشمل بكثير من معنى الامتناع عن الطَّعام والشراب، وليس كما يتخيل البعض من أن الصوم يكفى فيه الامتناع عن الطعام والشراب؛ لأن هذا النوع من الصيام هو صوم المعدة، وهو أحد أنواع الصيام التى تتعدد بتعدد جوارح الإنسان؛ فللعين صوم، وللسان صوم، ولليد صوم، وكلها أنواع من الصــوم لتدريب المسلم على الكف عن محارم الله، وحفظ اللسان عن الفحش واستباحة الكَذِبِ، وقول الزور، والغيبة والنميمة وترويج الأكاذيب والأراجيف فى المجتمع.
ومن الأدلة على أن معنى الصوم فى الإسلام، أوسع وأشمل من معنى الامتناع عن الطَّعام والشراب قوله ﷺ: «مَنْ لم يَدع قول الرُّور والعملَ به، والجهلَ، فليس لله حاجَةً فى أن يَدَعَ طعامه وشرابه»[أخرجه البخارى] وقوله ﷺ: «رُبَّ صائمٍ حظه من صيامه الجوع والعطش»[أخرجه النسائى وابن ماجة]
إن الصائم إذا حفظ لسانه عن الآفات، كان ذلك مؤشرًا على قبول صومه،وأن الصوم قد أثمر فيه مكارم الأخلاق، أما إذا بقى لسانه على حال سيئة مع النَّاسِ ومع المجتمع، فهذا أكبر دليل على أنَّ صومه ضُرِبَ به عُرْض الحائط؛ « روى عن النَّبى ﷺ أَنَّه قال عندما سأله رجل: يا رسول الله، إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقاتها، غير أنها تُؤذِى جيرانها بلسانها، قال ﷺ: «هى فى النَّارِ». قال يا رسول الله، إِنَّ فلانةً يُذكَرُ من قِلَّةِ صِيامها وصلاتها وصَدَقاتِها، وأنَّها تتصدَّقُ من بقايا الطعام، وهى لا تؤذى جيرانها بلسانها، قال: هى فى الجنَّة»[ أخرجه أحمد فى مسنده]، فحفظ اللسان عن ما حرم الله تعالى عنوان على استقامة العبد وكمال إيمانه؛ قال ﷺ: «إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفِّر اللسان، فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا»[أخرجه الترمذى].
وختاما: فإن الأخلاق ليست مفاهيم نظرية، بل تطبيقات عملية وأساس للتفاعل اليومى بين الأفراد،وآفات اللسان مرض بغيض تعود آثاره السَّلبية على استقرار المُجتمع، واستقامة وسلامة أفراده؛حيث تصنع العداوات والصّراعات، وشهر رمضان شهر عبادة وطاعة وفرصة لشغل اللسان بذكر الله، وقراءة القرآن، فرصة للتدريب على ملكة الاعتلاء بالنفس البشرية، وامتلاك الإرادة، والقدرة على الترك، والتَّحررِ من عبوديَّةِ الشيطان والنفس والهوىِ، وفرصة للتخلى عن الرذائل، والتحلى بالفضائل.