يعد الفنان زكى رستم من أهم ممثلى السينما المصرية، ولم ينافسه أحد فى عظمة أدواره لدرجة أن مجلة «بارى ماتش» الفرنسية صنفته فى استفتاء عام 1945 ضمن أفضل 10 ممثلين فى السينما العالمية، وقال عنه الفنان نور الشريف فى محاضراته بورشة إعداد الممثل بالكويت عام 2006: «ممثل سابق عصره، وسابق نظريات التمثيل فى أمريكا، ده رجل التمثيل عنده فطرى، ولم يدرس فى مدرسة ولا أكاديميات، مثقف تمثيليا لوحده بالفطرة».
ورغم نجوميته الهائلة إلا أنه كان عازفا عن اللقاءات الصحفية، غير أن مجلة «الكواكب» أجرت معه حوارا نادرا نشرته فى عددها رقم «214» الصادر فى 13 مارس، مثل هذا اليوم، 1956، كشف فيه بداية طريقه للفن، وقضايا أخرى، قال إنه كان تلميذا بالمدرسة الابتدائية، وكان له ابن خال من هواة المسرح، ويذهب إلى مسرح جورج أبيض، فيأخذه معه حتى شغف بالتمثيل وخلق لديه الرغبة فى الوقوف على خشبة المسرح، ويضيف: «بدأت أتصل بهواة التمثيل وأصاحبهم إلى الأماكن التى يترددون عليها، فتعرفت خلال ذلك بالأستاذ عبدالوارث عسر، وكان موظفا يهوى الفن، كما تعرفت إلى الفنان عمر وصفى».
يذكر رستم، أن الظروف بدت وكأنها تعمل على توثيق صلته بالفن فى ذلك الوقت، حيث كان والده صديقا لوالد الفنان سليمان نجيب وحسنى نجيب، وتوفى والدهما عام 1915، ويضيف: « تكفل والدى بالشقيقين، وصرت أنظر إلى سليمان كأخ أكبر فى البيت، ودارت الأيام فكان أخا أكبر لى فى المسرح أيضا، وانتقلت إلى الثانوى وكان عبدالرحمن رشدى انفصل عن جورج أبيض وكون فرقته الخاصة، وقدمنى عمر وصفى ذات ليلة إلى عبدالرحمن رشدى فى قهوة «فينكس»، فتبادر إلى ظن الممثل الكبير أننى واحد من عشرات الشبان الذين أدار بريق المجد رؤوسهم، وخيل له أننى سأضحى بدراستى لأعمل ممثلا، ونصحنى بأن استمر فى الدراسة، فقلت له أننى لم أفكر فى تركها».
يؤكد رستم: «أكملت دراستى الثانوية»، ويضيف: «أحسست أننى لن أستطيع أن أتأخر فى الوقوف على المسرح يوما آخر، فعزفت عن الاستمرار فى الدراسة ولزمت البيت، وكان صديقى عبدالوارث عسر عضوا فى جمعية جديدة اسمها «أنصار التمثيل»، فأبديت له رغبتى فى أن انضم إليها»، وعارض أعضاء الجمعية لكن عبدالوراث طلب منهم إعطاءه الفرصة، وبالفعل أعطوه دروا صغيرا لا يستغرق خمس دقائق فى مسرحة اسمها «العبرة»، ويقول رستم: «هكذا وقفت على المسرح لأول مرة هاويا فى سنة 1922، وأذكر أن الزعيم سعد زغلول حضر لنا تلك الرواية، وأننى مثلت أمامه»، يضيف: «قمت بأدوار جديدة، وأخذنى جورج أبيض إلى فرقته عام 1924، ولما اختبرنى قال لى: ستكون ممثلا جيدا فى القريب بشرط أن تواظب على التمرين، وعملت بغير أجر، كان الممثلون المبتدئون يحصلون على أجور صغيرة، وكان لى إيراد خاص، فرأيت أن أستغنى عن الأجر، ولم أكن الوحيد الذى يفعل هذا، وإنما يفعله الذين تسندهم الوظائف، مكتفين بإشباع رغبتهم».
يتذكر رستم، أن أول مرتب تقاضاه كان 15 جنيها فى عمله مع فرقة يوسف وهبى سنة 1926، وكان أجرا لا بأس به، ثم زاد إلى 25 جنيها ثم إلى ثلاثين فى فرقة فاطمة رشدى، ويؤكد أنه ظل يعمل فى المسرح حتى انقطع عنه سنة 1945، ويقول عن بداية عمله فى السينما، إنه بدأ بفيلم «زينب» الصامت سنة 1928 بطولة بهيجة حافظ، ويتذكر أن زملاءه الذين لم يعملوا بالسينما آنذاك كانوا يسخرون منهم، ويقارنون بين وقوفهم أمام الكاميرا يحركون شفاههم حركة صامتة، وبين الوقوف على المسرح الذى يلهب مئات المتفرجين بالصوت.
توالت الأفلام الصامتة التى مثل فيها زكى رستم، حتى مشاركته فى الفيلم الناطق «الوردة البيضاء»، وتعددت بعد ذلك أدواره السينمائية التى اشتهر فيها بأدوار الشر، ويعلق على ذلك قائلا: «الواقع أن دور الشرير كان حظى من البداية، والذى حكم بهذا شكلى - كما يقولون - وكبر جسمى، على أنى مثلت خلال حياتى الفنية أدوارا أخرى، فأنا فى فيلم «أولادى» لم أكن شريرا، وعلى العموم فأنا ميال إلى الأدوار المليئة بالحركة والتعبير».
المعروف أن زكى رستم لم يتزوج حتى وفاته فى 16 فبراير 1972، وعن سبب ذلك، قال: « أنا رجل أعتز بحريتى كل الاعتزاز، أحب أن أخرج متى شئت، وأرجع متى شئت، وأذهب لمشاهدة الفيلم الذى يعجبنى، وأقرأ الكتاب الذى يروق لى، وألبس الثوب الذى يوافق مزاجى، وأتناول الطعام الذى أرتاح له، ولم أر فيما حولى مخلوقة يمكن ألا تتدخل فى شىء من هذا إن لم يكن فيه كله، وجدت حريتى فى يدى، ولم أطمئن إلى أنه ستكون كذلك بالزواج».