سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 12 مارس 1969..أم كلثوم تقدم حفلها الأول فى ليبيا لصالح المجهود الحربى وحركة فتح الفلسطينية وتأجيل الانقلاب على الملك السنوسى احتراما لسيدة الغناء العربى

الأربعاء، 12 مارس 2025 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 12 مارس 1969..أم كلثوم تقدم حفلها الأول فى ليبيا لصالح المجهود الحربى وحركة فتح الفلسطينية وتأجيل الانقلاب على الملك السنوسى احتراما لسيدة الغناء العربى أم كلثوم

كانت الساعة السابعة مساء 12 مارس، مثل هذا اليوم، 1969، حين بدأ موكب سيدة الغناء العربى أم كلثوم فى التوجه إلى شارع عمر المختار بوسط مدينة طرابلس، حيث السرادق الكبير لحفلها الساهر الأول فى المملكة الليبية لصالح المجهود الحربى فى مصر وحركة فتح الفلسطينية، وبدعوة من عبدالله السنوسى ابن عم ملك ليبيا، إدريس السنوسى، حسبما يذكر الكاتب والباحث كريم جمال فى كتابه «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربى». 

كان لهذا الحفل ذكريات تاريخية خاصة، فحسب ما يذكره كريم جمال، فإنه للمرة الأولى حضر نساء ليبيا حفلا ساهرا، وكان الاختلاط واضحا فيه بين النساء والرجال، وحضر نسوة بمفردهن من مناطق الجنوب التى تعد أكثر مناطق ليبيا تحفظا، وكانت الجمعيات النسائية الليبية مسؤولة بعض الشىء عن هذا الاختلاط، لأنها طلبت من المنظمين السماح للمرة الأولى للسيدات بالحضور مع الرجال، ووافق المسؤولون على أساس أن أم كلثوم لن تقيم أكثر من حفلين فى المملكة، وأن الاختلاط لن يدوم طويلا.

يذكر «جمال» أن هذا المشهد الجديد على ليبيا دفع الإعلامية فريال صالح، المذيعة بالتليفزيون المصرى والمرافقة لأم كلثوم، لأن تجوب بكاميراتها فى أرجاء السرداق فى محاولة لاكتشاف ذلك التحول، وعندما سألت إحدى الجالسات فى الصف الأول، ردت: «أم كلثوم جاءت إلى ليبيا فكيف لا نتحرك إلى لقائها، والله لو مشت خطوة لنمشى إليها خطوتين»، وقالت سيدة أخرى: «اليوم هو اليوم السعيد الذى طالما تمنيت أن أعيشه قبل أن أموت».

كان الصف الأول مليئا بشخصيات سياسية ليبية وفلسطينية، يتقدمهم رئيس وزراء ليبيا «ونيس القذافى» آخر رئيس وزراء فى العهد الملكى، والوزراء الليبيون وكبار رجال الدولة، والسفراء العرب، ووزير الاقتصاد المصرى حسن عباس زكى، وقبل أن يرفع الستار تفاجأ الجميع بحضور حسن صبرى الخولى، الممثل الشخصى للرئيس جمال عبدالناصر، وكان فى ليبيا لتسليم رسالة شخصية من عبدالناصر إلى الملك إدريس السنوسى.

كان رجال المقاومة من حركة فتح الفلسطينية منتشرين فى الحفل، ويذكر «جمال» أنهم وقفوا على مداخل السرادق لاستقبال الحاضرين وتوزيع الشارات، التى تحمل شعارات «العاصفة» الجناح العسكرى لفتح، ويحمل كل فرد منهم التقدير والعرفان لأم كلثوم التى جمعت هذا الحشد الكبير، وكانت لافتات حركة فتح تملأ جوانب السرادق بشعارات متنوعة، مثل «ثورتنا فلسطينية الوجه عربية القلب» و«لن تمر الحلول السلمية إلا على أجسادنا» و«العاصفة ثورة حتى النصر»، وفى مواجهة المسرح علقت لافتة مكتوبا عليها «الفن العربى الهادف سلاح من أسلحة الثورة»، ووراء مقاعد الفرقة الموسيقية شعار حركة فتح.

يذكر «جمال» أن الستار الكبير انفرج لتظهر أم كلثوم على المسرح تتوسط عبدالله السنوسى، والأديب والمحامى الليبى على الديب الذى ألقى كلمة مرتجلة ترحيبا بأم كلثوم، وما إن وصل إلى ذكر اسم الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض، الذى استشهد قبل الحفل بثلاثة أيام، حتى تحول السرادق إلى تظاهرة، وتذكر مجلة «آخر ساعة» فى عدد 19 مارس 1969، أن أم كلثوم توارت خلف عبدالله السنوسى، وأخذت تمسح دموعها بمنديلها، وعلامات التأثر الشديدة عليها، ورصدتها معظم كاميرات المصورين وهى تبكى.     

بدأت أم كلثوم الغناء وقدمت فى وصلتها الأولى قصيدة «هذه ليلتى»، وبعد نهايتها صعد حسن صبرى الخولى إلى المسرح وحياها أمام الجماهير، ويذكر جمال أنه أثناء استراحتها فى حجرتها قبل بدء الوصلة الثانية، دخل عليها ثلاثة شبان من حركة فتح، وصافحوها، ثم أخرج واحد منهم شارة «العاصفة» من صندوق يحمله ووضعها على صدرها، قائلا: «اعذرينا يا سيدتى العظيمة، ليس لدينا ما نقدمه لك غير المبدأ الذى نعمل من أجله، أرجو أن تقبلى أن تكونى فى صفوفنا».

كان موعد هذه الحفلة أحد خيارات التنظيم الذى يقوده الضابط معمر القذافى للانقلاب على الملك السنوسى، ويكشف عبدالسلام جلود، أحد قيادات التنظيم ورئيس وزراء ليبيا من 1972 إلى 1977 لبرنامج «الذاكرة السياسية» على «قناة العربية»: «خططنا للانقلاب على الملك فى أربع محاولات قبل النجاح فى المرة الخامسة، وفى إحدى المرات كانت هناك زيارة للسيدة أم كلثوم فى طرابلس، ونحن خططنا للاستيلاء على الحكم والقيام بالانقلاب أثناء حفلة أم كلثوم، لأن الحفلة كان سيحضرها كبار رجال الجيش والشرطة والوزراء ورجال الدولة، وكانت الخطة هى السيطرة على قاعة الحفل والقبض على كل الموجودين فيها، وهذا الأمر سيسهل عملية السيطرة على الدولة ويمنع المقاومة».

يكشف «جلود»: «حدث خلاف بين الرفاق على سيناريو السيطرة على قاعة الحفل خوفا من حدوث مقاومة من الحاضرين، وبالتالى التحول إلى مذبحة ودماء، وهذا أمر لم نكن نريده فى وجود سيدة فاضلة مثل السيدة أم كلثوم، وهى القامة الكبيرة فى الوطن العربى، ولذلك أجلنا الانقلاب من أجل السيدة أم كلثوم وأيضا خوفا من الدماء».




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة