فرض الحق –سبحانه وتعالى- الصيام على المسلمين، وجعل مقصده الأصيل وثمرته المرجوة: تقواه –عز وجل-؛ فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
وتحقيق التقوى في حقيقة الأمر لا يكون إلا ببذل الجهد وإتقان العمل وعلو الهمة.
هذا؛ وقد ادعى البعض أن فريضة الصيام تؤثر سلبًا على اقتصاد المجتمعات؛ حيث يكثر التكاسل في هذا الشهر، ومن ثم يقلّ الإنتاج.
والحق: أن مثل هذه الدعوى إنما بُنيت على النظر الآني لسلوكيات خاطئة من قبل بعض الصائمين الذين تنعدم لديهم الهمة حال قيامهم بأعمالهم اليومية أثناء الصيام.
وليت أصحاب هذه الدعوى نظروا لحال المسلمين الأوائل الذين فقهوا سر الصيام ومقصده؛ فكان نهارهم نشاطًا وإنتاجًا، وكان ليلهم تهجدًا وقيامًا، لا أن يعولوا على هؤلاء المتكاسلين الذين جعلوا نهاره نومًا أو تثاقلًا في أداء أعمالهم، وليله لملء بطونهم والسهر أمام شاشات التلفاز أو الهواتف، مما يؤثر سلبًا على نشاطهم أثناء النهار؛ الأمر الذي دعا هؤلاء إلى التشكيك في دين الله، وفرائضه التي افترضها على المسلمين.
ومما يؤكد بطلان هذه الدعوى: وجود بعض الوقائع والأحداث التاريخية الفاصلة من عمر هذه الأمة، والتي حقق فيها المسلمون انتصارات عظيمة خلال هذا الشهر الفضيل، ومن جملة هذه الوقائع العظيمة: غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية للهجرة، وفتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، ومعركة عين جالوت سنة 658هـ، وفي العصر الحاضر: الحرب الفاصلة بيننا وبين الكيان الصهيوني الغاصب للأرض والتي حُطِّمت فيها أسطورة الجيش الذي لا يُقهر في أكتوبر سنة 1973م.
مما يدل دلالة واضحة لا مراء فيها على أن شعار الصوم: الجلد والجهاد والعمل، لا الوهن والضعف والفتور والكسل؛ خاصة وأن المقصد الأصيل من فرض الصيام: تحقيق التقوى؛ وهي لا تكون إلا ببذل الجهد وإتقان العمل وعلو الهمة –على ما تقدم-.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية