محمود عبدالراضى

العاشر من رمضان.. من رمال الهزيمة إلى آفاق النصر

الإثنين، 10 مارس 2025 10:30 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى كل عام، تظل الذكرى الطيبة للعاشر من رمضان تتراءى أمام أعيننا كوشاح من النور يعانق السماء، شاهرةً سيف النصر فى وجه من خانهم الزمن، مستعيدين لحظة الفخر التى حولت المستحيل إلى واقع، وجعلت الهزيمة أفقاً صغيراً فى مقابل عظمة النصر الذى احتفل به المصريون فى السادس من أكتوبر.

إنها ذكرى انتصار أكتوبر، ذلك اليوم الذى شهد على براعة الإرادة المصرية وصلابة الروح التى لا تلين، وفى قلب هذا النصر الكبير كان هناك سرٌّ ضاجٌّ بالروحانية، سرٌّ يتجسد فى الصيام، ذلك الركن المقدس الذى منحنا طاقة غريبة ودفعنا للانتقال من حال الهزيمة إلى ذروة النصر.

الصيام، ذلك الركن الذى يفرض على النفس تحدى الجوع والعطش، هو نفسه الذى زرع فى قلب الجندى المصرى القوة الروحية التى جعلته ينقض على عدوّه وكأنما يقف أمامه ليس جسده فقط، بل روحه وقد تحولت إلى شعلة من النور لا يطفئها شيء، ففى شهر رمضان، تقف الأرواح فى صف واحد تحت راية الإيمان، فإذا كان الجسد قد صام عن الطعام والشراب، فإن الروح صامت عن كل ضعف وتردد، لترتفع فوق مصاعب الحياة وتخوض معركة العبور فى ساحة الوجود.

فى العاشر من رمضان، قادنا الله تعالى بروح الإيمان إلى قلب معركة أكتوبر، إذ كانت أرواح الجنود الصائمين تنبض بذكره، وكانت عزيمتهم تزداد قوة كلما أفطروا على سجدة شكر، وكلما انطلقت أصوات التكبير بعد أن تحقق النصر.
إن سرّ هذا النصر لم يكن فقط فى الأسلحة أو التكتيك العسكرى فقط، بل فى تلك القوة الروحية التى انتقلت من نفوس الجنود إلى قلوب الشعب بأسره، فكل مصرى أصبح جندياً فى معركة الأمل، صاموا فى رمضان، ففطروا على النصر، وجعلوا من تلك الأيام العصيبة منحة تُحفّز على الإنجاز والتفوق، وهو درس علينا أن نأخذه فى كل يوم من أيام حياتنا.

إن انتصار العاشر من رمضان لا يقتصر على معركة عسكرية فقط، بل هو معركة حياتية نواجهها يومياً فى مختلف ميادين الحياة، ففى طيات المحن تكمن المنح، وفى كومة الآلام يزهر الأمل، علينا أن نستلهم من هذه الذكرى العظيمة درساً لا يُنسى: أن العبور من الهزيمة إلى النصر يبدأ من الداخل، من قوة الإرادة، ومن إيماننا بأن الأوقات العصيبة ليست سوى محطات فى رحلة طويلة نحو الأفضل.

إنها دعوة صادقة من الماضى إلى الحاضر، لنعبر من الهزيمة التى قد نراها أحياناً فى فشل أو أزمة، إلى النصر الذى يتحقق بالإرادة، والعمل الجاد، والإيمان الذى لا يتزعزع، لا يهم كم كانت التحديات، ولا حجم الصعاب، فكل محنة هى خطوة نحو منحنى جديد من النجاح والتفوق.

الصيام يعلمنا الصبر على الملمات، ويمنحنا القدرة على التحمل فى مواجهة أقسى الظروف، والعاشر من رمضان يذكرنا بأن هذا الصبر ليس عبثاً، بل هو وقودنا للانطلاق نحو أهدافنا وأحلامنا.

فى كل ذكرى لانتظار النصر، نعود إلى تلك اللحظة التى اكتشفنا فيها أن قوتنا الحقيقية تكمن فى روحنا، وأن الأمل لا ينضب مهما مرت الأزمان، نعود إلى تلك اللحظة لنتذكر أننا قادرون على العبور، قادرون على تحويل الألم إلى أمل، والهزيمة إلى نصر، وأننا بقدر ما نصمد فى مواجهتها، بقدر ما نعيد كتابة التاريخ بأنفسنا.

فى العاشر من رمضان، نُعيد تجديد العهد مع أنفسنا، ونسترجع فى قلوبنا روح القوة والعزم، لنبنى مستقبلاً يكون فيه لكل مصرى مكانة تستحق الفخر والعزة.

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة