أسعدنى الحظ بأن أشارك فى ندوة مهمة عن أستاذنا العظيم الكاتب والمؤرخ الكبير صلاح عيسى، بعنوان «صلاح عيسى بين التاريخ والصحافة والأدب والسياسة»، التى نظمتها الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، بمقرها وفى حضور عدد من أساتذة التاريخ وأعضاء الجمعية والأصدقاء والزملاء الذين يشكل صلاح عيسى رمزا كبيرا لهم، فى حضور الصديق يحيى قلاش نقيب الصحفيين الأسبق، وفى حضور من أصدقاء وزملاء الكاتب الكبير الذى مثل لمن يعرفه علامة فارقة فى الثقافة والكتابة، وشخصيا قلت بالجلسة إن صلاح عيسى هو «أساتذة» لأنه صاحب أكثر من شخصية، الكاتب الساخر لدى صلاح عيسى له سياق ربما لم يأخذ حقه، وأننى طالبته بأن يصدر كتاباته الساخرة التى كان ينشرها فى الأهالى بعنوان «الإهبارية» لأنها تمثل جزءا من تاريخ الكتابة الساخرة فى وقتها والتى لا يلجأ فيها إلى التجريح وإنما الخلاف، وكيف أننى كنت معه سنوات فى صحيفة القاهرة كان يقدم لنا دروسا فى المهنية وأننى فى منتصف التسعينيات من القرن العشرين، كنت أعمل فى بعض الأبحاث التى تستلزم الذهاب يوميا إلى دار الكتب فى مبناها برملة بولاق، وهناك فى قاعة الاطلاع كنت أشاهد الأستاذ صلاح عيسى منكبا على الدوريات والصحف يظل بالساعات يفتش ويكتب ملاحظات وتواريخ، ورأيت تركيزه الواضح، ودأبه فى البحث والتفتيش والتوثيق.
وبعد سنوات عندما صدر كتابه «رجال ريا وسكينة»، سألته عما إذا كان وقتها يعمل فى الكتاب، حكى لى كيف أنه احتاج إلى مراجعة مئات الصحف والدوريات، وأن هذه الصحف كانت مجرد خطوة، وأنه بجانب الملفات القضائية، فتش فى الوثائق التاريخية، وعدد كبير من المراجع، المعروفة وغير المعروفة، بل إنه قال لى: كنت أحيانا أراجع تاريخا أو معلومة فى عشر صحف، وأجدها مختلفة فى كل واحدة، فاضطر لمراجعة ذلك فى ملف القضية، وكثيرا ما كنت أجد أوراقا منتزعة من الصحيفة أو ضائعة، بل إننى وجدت كثيرا من الكتابات المعاصرة استندت إلى مرويات شعبية، وتجاهلت الحقائق المحيطة بقضية ريا وسكينة، وأنه أجرى عملية تقطير وتصفية وتوثيق، ليستخرج من كل هذا الركام القصة الحقيقية لريا وسكينة فى سياق تاريخ مصر السياسى والاجتماعى والاقتصادى فى ذاك العصر، وهو ما يمثل عملا غير مسبوق ويقدم درسا مهما يظل عالقا فى ذهن كل من خدمه الحظ وعمل بجانب الكاتب الكبير صلاح عيسى.
والندوة تحدث فيها عدد من أساتذة التاريخ وقدمتها، الدكتورة ناصرة عبدالمتجلى مقرر الندوة، وأكدت أهمية صلاح عيسى وعرضت تفاصيل قيام الجمعية بفريق كبير بنقل مكتبة صلاح عيسى إلى الجمعية لتصبح بين أيدى الباحثين، كما تحدث الدكتور أحمد الشربينى، رئيس الجمعية رئيس الجلسة الأولى والذى قال إن الراحل صلاح عيسى قامة تاريخية وأدبية عظيمة فى مصر، وأن الندوة تأتى احتفاءً بافتتاح مكتبة عيسى الموجودة بالجمعية، بعد نقل كتبه من منزله، بعد قرار أمينة النقاش الكاتبة ورفيقة عمر الأستاذ صلاح عيسى تقديم مكتبته للجمعية وقال إن ثلث كتب صلاح عيسى تاريخية، وكانت كتاباته مستلهمة من التاريخ.
وترأس الجلسة التالية الأستاذ الدكتور السيد فليفل أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الذى أكد أن الراحل صلاح عيسى منح لمصر الكثير من المؤلفات التاريخية والأدبية، التى ساهمت فى إثراء الحياة الأدبية المصرية، وأنه شخصية موسوعية فريدة، تجب قراءتها من دارسى علوم الاجتماع، وعلوم التاريخ، والأدب، حيث قام بالكتابة فى العديد من المجالات العلمية، وكان يتمتع بتشعب فكرى كبير، وآراء متنوعة»، ثم تحدث الدكتور أحمد زكريا عن «صلاح عيسى مؤرخا من طراز خاص»، وتحدث الكاتب الكبير أحمد الجمال عن «صلاح عيسى قراءة فى مسيرة جيل»، حيث استعرض بشكل موسع مسيرة الجيل الذى انتمى له صلاح عيسى والجمال والذى كان فى مرحلة انتقالية استمرّت لفترات وهذه الفترات تتضمن طموحات وتحولات، واستعرض الجمال علاقته بالراحل صلاح عيسى ومناقشاتهما وتفاصيل تواجدهما فى السجن معا، كما تحدث عدد من الأصدقاء الكاتب والناقد الصديق سيد محمود عن «السبيكة ومغايرة أساليب السرد التاريخى» وبالفعل قدم عرضا لكتابات صلاح عيسى التاريخية والثقافية والشاملة التى تتضمن طورا مهما وانعكاسا لأجيال مختلفة، بينما تحدث الصديق الكاتب والروائى حمدى عبدالرحيم عن تجربته كسكرتير تحرير جريدة القاهرة مع الراحل صلاح عيسى وكيف كان عيسى أستاذا فى تقديم الأفكار وإزالة سوء الفهم والتعامل بمهنية وأنه كان قادرا على استيعاب الاختلافات والتنوع بين الأطراف المختلفة، كما تحدث الزميل محمد الشماع عن «صلاح عيسى مقريزى العصر» كما تحدث الدكتور محمد أبوالغار المفكر والمؤرخ الكبير بجانب ريادته كعالم فى الطب وعرض بشكل مكثف دور صلاح عيسى كمؤرخ اجتماعى لمصر فى أعماله مثل رجال ريا وسكينة، أو باقى أعماله المتنوعة التى تقدم تأريخا للمجتمع المصرى كما تحدثت الأستاذة عبلة الروينى عن تأثيرات صلاح عيسى فى الكتابة كما استعرض الأستاذ سيد عبدالعال رئيس حزب التجمع صلاح عيسى مناضلا وكيف كانت له آراؤه فى التنظيمات السياسية ويناقش ما يطرح من بديهيات بما يجعله صاحب مدرسة فى النضال وتحدثت الكاتبة مايسة زكى عن صلاح عيسى أديبا، وهاجر صلاح عن صلاح عيسى وعلاقات العمل، وتشارك أمينة النقاش بشهادة عن صلاح عيسى الإنسان «شهادة للتاريخ».
كانت ندوة مهمة وثرية أعادت ذكرى الكاتب الكبير صلاح عيسى بتاريخه وتراثه العظيم.
