في زخم العالم الرقمي، حيث تلتقي الأحلام بالفرص، وتُسرد قصص الطموحات الكبرى، تبرز منصات وهمية تستغل رغبة الناس في تحقيق مكاسب مالية سريعة، هذا ما حدث بالفعل في قضية "FBC"، التي كشفت عنها وزارة الداخلية، لتسجل مرة أخرى انتصاراً للعدالة ضد جريمة النصب الإلكتروني.
منصة وهمية بخيوط متشابكة
وكأننا في مغارة علي بابا، حيث تتناثر العملات في كل ركن، عثرت الأجهزة الأمنية على مشهد يعكس صورة مشوهة لهذا المشهد؛ هواتف محمولة، شرائح اتصال، وأموال من مختلف العملات، جميعها كانت حيلة جديدة من عصابة "FBC" التي ابتكرت منصة إلكترونية وهمية للاحتيال على المواطنين.
الرقم الذي حملته تفاصيل الواقعة كان صادماً: مليون ومائتين وسبعين ألف جنيه، بالإضافة إلى 1135 شريحة هاتف محمول وجهاز "لاب توب"، لكن الغريب، والمثير في نفس الوقت، هو الطريقة التي تلاعب بها المتهمون بأحلام المواطنين في الاستثمارات السريعة والعوائد المالية الفورية.
استخدموا الأساليب الدعائية المضللة عبر منصات التواصل الاجتماعي، مدّعين أنهم يقدمون استثماراً يحقق أرباحاً ضخمة في مجالات البرمجيات والتسويق الإلكتروني. هكذا، استدرجوا مئات الضحايا الذين وقعوا في شباك الوهم.
اعترافات وأسرار
ومع توالي التحقيقات، بدأت الأسرار تتكشف على لسان المتهمين، الذين اعترفوا بتفاصيل مخططهم الماكر، وبيّنوا أنهم استغلوا طمع بعض المواطنين، ودفعوهم للإيمان بوعود كاذبة. وبمغريات الأرباح السريعة، جندوا هؤلاء الضحايا ليصيروا أدوات أخرى لتوسيع دائرة الاحتيال، عبر دفعهم لإقناع أصدقائهم وأسرهم بالتعامل مع المنصة، وبالتالي جلب المزيد من الأموال لجيوب العصابة.
وفي شهادةٍ أخرى، أكد المتهمون أنهم استحدثوا طرقاً مبتكرة لنقل الأموال من خلال محافظ إلكترونية تم تفعيلها عبر بيانات وهمية، مما ساعدهم في إخفاء هويتهم الحقيقية.
ومع هذه الخطوات، بدأوا في تنفيذ المخطط بلا رحمة، موجهين ضرباتهم المالية لجيوب المواطنين في مصر وخارجها.
قصة النهاية
لكن الأجهزة الأمنية كانت لهم بالمرصاد. في إطار جهودها الحثيثة لكشف تفاصيل الجرائم الإلكترونية، تمكنت الداخلية من كشف ملابسات الحيلة بعد أن تقدم أكثر من 100 مواطن بشكاوى رسمية ضد المنصة. ولما بدأت تحقيقاتها، اكتشفت أن العصابة كانت على صلة بشبكة إجرامية دولية، مما ضاعف من تعقيد القضية. ومع تزايد الأدلة والاعترافات، نجحت في تصفية النشاط الإجرامي للمجموعة وفتح تحقيق موسع ضد المتورطين.
تمكن رجال الأمن من ضبط 13 متهماً، بينهم ثلاثة عناصر يحملون جنسيات أجنبية، وتم العثور على أدلة دامغة تدينهم في القضية. أظهرت التحقيقات أن هؤلاء الأشخاص كانوا قد استغلوا ثغرات في شبكة الإنترنت للوصول إلى ضحاياهم، ليوقعوهم في مصيدة مالية.
ووفقاً للشرطة، تمت ملاحقة المتهمين جميعهم بعد غلق المنصة الإلكترونية ومقر الشركة.
تحذيرٌ للمواطنين
مع الانتهاء من تحقيقات القضية، أصدرت وزارة الداخلية بياناً تحذيرياً للمواطنين، داعية إياهم إلى الحذر من التعامل مع مثل تلك التطبيقات المجهولة المصدر التي تظهر على الإنترنت، والتي تدعي تحقيق أرباح سريعة، مؤكدة أنه يجب على المواطنين توخي الحذر والانتباه قبل الوقوع ضحية لهذه الأنواع من النصب الإلكتروني.
من ناحيته، قال اللواء رأفت الشرقاوي الخبير الأمني: يجب أن نستذكر دروس هذه القضية المؤلمة فكما يظهر من التفاصيل الدقيقة، لم تكن عصابة "FBC" مجرد جريمة عابرة، بل كانت تجسيداً للمخاطر التي يحملها التقدم التكنولوجي إذا لم يُستخدم بحذر، ومثالاً على كيف يمكن أن تكون التكنولوجيا سيفاً ذا حدين، إذا تركناها في يد من يستغلها لأغراض غير شريفة.
العبرة هنا هي أن كل فرصة على الإنترنت قد تكون مغارة على بابا مليئة بالمال، لكنها في ذات الوقت قد تكون مصيدة لتدمير أموالنا وأحلامنا.