فى ظل فوضى الأطماع، والعبث بمقدرات الشعوب، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط، والمحاولات المجنونة لتمزيق الخرائط، فإن الجيوش تتصدر المشهد، وترفع حالة الطوارئ، فى صمتها ضجيج، وكلامها صراخ يصم الآذان، وإرادتها فولاذية أمام التهديدات ومحاولات فرض أمر واقع عبثى، وتمتلك قدرات إرسال رسائل الردع، جنبا إلى جنب مع الرسائل السياسية والدبلوماسية الخشنة.
ولا يمكن لوطن أن يحافظ على مقدرات شعبه، ويضع حدا للأطماع إلا بجيش قوى، ووحدة شعبه وقوة تماسكه، ولا يمكن لوطن أن يُعلى من شأن «السيادة» إلا الأوطان المستقلة، الحامية لنفسها بنفسها، فيخرج قرارها من مطبخها السياسى، ومصر دولة مستقلة ذات سيادة تمتلك قرارها، وتحمى نفسها بنفسها، وكيف لا، وهى التى تمتلك جيشًا ملتصقٌ وجوده بوجود الكون؟
الفقيه القانونى والفيلسوف السياسى، الفرنسى، جان بودان، يدشن مفهوم السيادة، قائلا: السيادة تعنى استقلال الدولة وحكومتها وقراراتها عن أى سلطة وإرادة أى جهة داخلية أو خارجية، وتتمتع هذه الدولة والحكومة ذات السيادة بسلطة عليا مطلقة، شاملة، عامة، دائمة، موحدة، غير منقولة، غير مجزأة، غير منقوصة أو محدودة، تمارس سيادتها على إقليمها ورعاياها.
أما مفهوم السيادة فى نظريات العلوم السياسية، فإنها تشير إلى الحق الحصرى للدولة فى الحكم والتسيير داخل حدودها الإقليمية، والسلطة النهائية فى اتخاذ القرارات والسياسات التى تؤثر على شعبها وأراضيها.
وتعد معاهدة وستفاليا، الموقعة سنة 1648، بداية لإقرار مبدأ السيادة الوطنية للدول بوصفها سلطة الدولة العليا والمطلقة على إقليمها، وحقها فى ممارسة وظائفها وصلاحياتها واختصاصاتها داخل إقليمها القومى دون تدخل من أى دولة أخرى.
أما ميثاق الأمم المتحدة فقد أكد على سيادة الدولة الوطنية، حيث نصت المادة 1/2 من الميثاق على أن «تقوم الهيئة على مبدأ المساواة فى السيادة بين جميع أعضائها».
وانطلاقا من هذه النظريات، فإن الدولة تمارس سيادتها جوا وبرا وبحرا، فمن ناحية السيادة الجوية، على سبيل المثال، فإن لها الحق الحصرى فى السيطرة على المجال الجوى فوق أراضيها، وتحديد شروط وقيود الطيران، سواء كانت طائرات مدنية أو عسكرية. بجانب تحديد مسارات الطيران، والسماح أو المنع للطائرات من الطيران أو الهبوط فوق أراضيها.
والأهمية الجوهرية للسيادة الجوية، هى الحفاظ على الأمن القومى للدولة، والحماية من التدخل الخارجى فى شؤونها الداخلية، وتعميق التعاون الدولى مع الدول الأخرى بشكل مستقل.
ومن أبرز المخاطر التى تمس جوهر السيادة الجوية للدول، هى تحديات العولمة، والتدخل الخارجى، والتغيرات التكنولوجية، لذلك يتوجب على الدولة فى المنطقة القلقة، أن تواكب التطور، وتأخذ بكل ما هو جديد فى علم التقنية.
وما ينطبق على السيادة الجوية، فإنه ينطبق على السيادة فى البحار، وحماية الحدود، ومن ثم تبرز أهمية الجيش القوى، باعتباره عصب الأمة، وساعدها المتين، وأداتها القوية، وحماية لكيانها، ومن دون جيش قوى، تُنتهك سيادتها، وتُباح حدودها، وبقدر ما تمتلك الدولة جيشا قويا معدا إعدادا كبيرا، تسليحا وعددا وتدريبا، بقدر ما تفرض هيبتها على الآخرين، لذلك فإن جيش مصر نعمة، وأن تسليحه كان فقه الضرورة، وردا خشنا صاعقا على الذين عارضوا وسخفوا وشككوا فى أهمية تسليح الجيش المصرى، بأقوى الأسلحة والعتاد الحديث، والمتنوع، فالأحداث المشتعلة حاليا أثبتت أهمية التسليح، وإنه من أهم القرارات الاستراتيجية للقيادة السياسية الحالية.
والأحداث المشتعلة حاليا فى الإقليم، ترفع من شأن وقدر وجدارة الجيش المصرى، وتثبت فى الأذهان انتصاراته وقدراته وجدارته التاريخية، وأنه إذا فُرضت عليه الحروب، فإنه لها، وإذا ضرب، «أوجع» وليس كغيره من الظواهر الصوتية، «يفرقع» صاروخا هنا، أو قنبلة هناك.
وإلى كل مصرى، أقول: افتخر ببلدك، وبجيشك القوى، وأنها تمتلك السيادة، جوا وبحرا وبرا، فى منطقة ملتهبة، ومحاصرة بعيون المطامع، والمحاولات المستميتة والمتجددة، للسيطرة والاستحواذ على مقدرات الشعوب.