يُعد متحف النوبة، واحدًا من أبرز المعالم الثقافية في محافظة أسوان، وواحدًا من المواقع التى تعكس تطور الحضارة المصرية عبر العصور، فهو ليس مجرد متحف، بل نافذة حية تتيح للزائرين استكشاف تاريخ أسوان الممتد منذ العصر الحجرى وعصر الأسرات القديمة، وحتى العصور القبطية والإسلامية، وذلك من خلال سيناريو عرض متحفي متناسق يضمن تجربة سلسة وممتعة، ويظهر كمنصة حضارية قادرة على الرد على ادعاءات الأفروسنتريك المشبوهة.

تماثال رمسيس بمتحف النوبة
منذ لحظة دخول المتحف، يجد الزائر نفسه في رحلة زمنية تبدأ من العصر الحجرى، حيث تُعرض أدوات وأوانٍ تعكس أسلوب الحياة البدائية لسكان المنطقة. بعد ذلك، يتدرج العرض ليكشف عن عصر الأسرات، حيث تظهر روائع الفن المصري القديم من تماثيل ونقوش ومقتنيات ملكية وأدوات استخدمها المصريون القدماء في حياتهم اليومية.
ولا يتوقف العرض عند الحضارة الفرعونية، بل يستمر ليقدم لمحات واضحة عن العصرين القبطي والإسلامي، من خلال قطع فنية مميزة، مثل الأيقونات القبطية، والمخطوطات، والمشغولات الإسلامية التي تعكس التنوع الثقافي والديني الذي شهدته أسوان عبر التاريخ، وكذلك يصور شكلٍ المجتمع النوبي ورحلة تطوره عبر التاريخ.
ويتميز متحف أسوان بتنظيم ذكي للمعروضات، حيث تتدرج القاعات بطريقة تجعل الزائر يتنقل بسلاسة بين العصور الزمنية المختلفة، دون انقطاع أو تشويش بصرى، يساهم هذا التصميم المدروس في جعل تجربة التعلم والاستكشاف أكثر جذبًا وتشويقًا، مما يسمح للزائر بربط الحقب التاريخية المختلفة وفهم تطور الحضارة المصرية بوضوح.
اللافت في المتحف هو التمثال الضخم للملك رمسيس الثاني، والذي يحتل قلب المتحف في مشهد مهيب يعكس عظمة الفراعنة. هذا التمثال يعيد للأذهان تصميم المتحف المصري الكبير، حيث يحتل تمثال رمسيس الثاني موقعًا محوريًا في مدخله. وجود هذا التمثال في متحف النوبة يمنح الزائر تجربة مشابهة وكأنه يقف أمام التاريخ وجهًا لوجه، ليشعر بعظمة الملك الذي ترك بصمة لا تُنسى في مصر القديمة.
في ظل تصاعد موجة الأفروسنتريك التي تحاول إعادة تأويل التاريخ المصري وربطه بحضارات إفريقية أخرى بطرق غير علمية، يأتي متحف النوبة كأحد أقوى الردود العملية على هذه الادعاءات، حيث يعرض بوضوح تطور الحضارة المصرية عبر العصور استنادًا إلى أدلة أثرية وتاريخية موثقة.
ومن خلال سيناريو العرض المتحفي المتوازن، يستطيع أي زائر تتبع الجذور الحقيقية للحضارة المصرية منذ العصر الحجري، مرورًا بعصر الأسرات، ثم العصور القبطية والإسلامية. هذه الاستمرارية الزمنية تؤكد أن الحضارة المصرية نمت وتطورت في بيئتها الخاصة دون انقطاع أو فجوات تسمح بادعاءات مستوردة.
في النهاية، متحف النوبة ليس مجرد مكان لعرض القطع الأثرية، بل هو رحلة متكاملة عبر العصور، تجسد تطور الحضارة المصرية في سيناريو متحفي متناسق وسهل الفهم. وبوجود تمثال رمسيس الثاني كقطعة محورية، يزداد المتحف تألقًا، فيمنح الزوار تجربة لا تُنسى تعكس بوضوح كيف كانت أسوان شاهدة على أعظم فصول التاريخ المصري، كما أنه يشكل دليلًا بصريًا وعلميًا داحضًا للأفكار المغلوطة، ليؤكد أن الحضارة الفرعونية مصرية المنشأ والتطور، قائمة على شواهد تاريخية لا تحتمل التأويل المغرض.