جيهان زكـى

من يحمل قنديله "داخل مجتمعه".. لا يعنيه ظلام العالمين!

الخميس، 13 فبراير 2025 12:00 ص


استلهمت عنوان مقالي هذا من مقولة جلال الدين الرومي، الشاعر والفقيه الذي اشتهر بأجمل الكلمات الملهمة التي أثرَت التراث البشري وصارت كالنبع الصافي الذي لا نكف عن الشرب منه والتغذي من زاد حروفه الدسمة.

ولعل مقولة "من يحمل قنديله في صدره.. لا يعنيه ظلام العالمين" هي واحدة من بين التي ألهمتني ـ مثلي كالكثيرين حول العالم ـ حتى أصبحت من ركائز قناعاتي التي كونتها على مدار سنوات العمر.
واليوم ونحن منشغلون بالشأن الخارجي على خلفية الأزمة السياسية التي يمر بها الإقليم العربي، استرجعت هذه المقولة العميقة كي أتناول عنصرا هاما في المعادلة المصرية وهو المجتمع!
خلقنا الله ووهبنا العيش هنا في مصر..
كبرنا وتعلمنا جميعا على أرض مصر..
تكونت عقولنا ب “المصري" ..
ونهلنا من فقه المعلم المصري..
وتشكلت حينها شخصيتنا "الشخصية المصرية"..
تأثرنا في سنوات التنشئة تأثرا حيويا بما أضيف الي عقولنا من فكر وما حرك  قلوبنا من مشاعر..
جيل بعد جيل ، تعلمنا من خلال المناهج الدراسية أجمل صفات مصرنا الحبيبة و احتفظنا بها، فصارت ك" الكليشيهات" " نرددها جميعا عن ظهر قلب و نجترها من آن لآخر حتي اصبحت ك "الاكواد" التي يفك شفرتها من تعلم و عاش في مصر، فمن كتاب التاريخ تعلمنا ان "مصر هبة النيل " و من حصة الدين، الآية الكريمة "ادخلوا مصر انشالله آمنين" و من كتاب الجغرافيا، تذوقنا جملة "مناخها معتدل فهو حار جاف صيفا دفئ ممطر شتاء" و أيضا "تتمتع مصر بموقع جغرافي متميز" و من كتاب التربية القومية، علمنا الأستاذ  علي لسان مصطفي كامل " لو لم اكن مصريا لوددت ان أكون مصريا"
اما في المرحلة الثانوية، فقرأنا في مقدمة ابن خلدون أن "مصر هي حضرةُ الدنيا وبستانُ العالم"
و في طريقنا الي الجامعة، سمعنا علي موجات البرنامج العام  في الراديو الرائعة شادية و هي تغني"يا حبيبتي يا مصر " و"سينا رجعت كاملة لينا" ثم حديثا، نغمات اكثر مواكبة للجيل الجديد، فاستمعوا الي "فيها حاجة حلوة"..

ثم تلاحقت الأحداث وتباينت في ربوع العالم من خلال ثورات، وحروب، وأزمات اقتصادية، وسياسية..
ذهب الدهر كلُّه بين يوم وليلة
مرت الأيام وتسللت من داخل الأعمار.. أعمارنا
فأققنا على زمن يركض بنا ولا نملك لجامه
وقلنا.. ما هذا؟ عدي الزمان وجرت بنا الأيام
فرد حكماء الزمان.. سنة الحياة والحكمة والبيان!
غير أن مصر وما حاباها الله من صفات متفردة مثل، موقعها، مناخها، ثقافتها المتراكمة، حضارتها، شعبها وشبابها مازالت هنا شامخة وعتية علي رياح الزمان، تعبر الازمات وتتصدي للتحديات مهما كانت جسام..
وقد تكون أجمل الصفات هذه مثل، موقعها المتوسط وشواطئها الممتدة وتضاريسها الطبيعية المتنوعة ومناخها المعتدل علي مدار العام و حضارتها التي صنعتها عبر قرون طويلة وشعبها وشبابها الذي يشكل حائط صد بشري لهي صفات تثير غيرة الآخر وشعور بتنافس غير الصحي، يصل أحيانا لدرجة الرغبة الدفينة في تقليد هذه الصفات او إذا لم يستطع فالنيل منها..
وقد كتب شاعر النيل حافظ إبراهيم أبيات خطت فوق الزمان لأنها مازالت نضرة وتحمل وهج كل كلمة فيها كأنها كتبت بالأمس على إثر تلك المشهد السياسي العالمي البائس الذي نعيشه

أنا إن قدر الإله مماتي                  لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
ما رماني رام وراح سليماً            من قديم عناية الله جندي
كم بغت دولة عليّ وجارت         ثم زالت وتلك عقبى التعدي

عزيزي القارئ
رغم أني أتفهم تماما إبعاد المشهد الدولي المعقد من حولنا وأزن أثقاله على أكتاف القائمين على الملف الخارجي وأصحاب القرار السياسي، ورغم أنى أعرف أن الأوطان أحيانا قد تدفع ثمن أجمل صفاتها ومميزاتها، لذا فإنني أؤمن بأهمية التركيز على الشأن الداخلي وخاصة التمسك بالاستثمار في أولاد الأجيال "ز" و"بيتا" (هم من جاءوا إلى الدنيا بعد عام 2000) وحثهم علي الانتماء إلى الأرض وحب الوطن من واقع اقتناع وحب وفخر واعتزاز.. وتوطيد الرباط بين ماضيهم وحاضرهم..
أكاد أسمع أصوات تنتقد هذه النبرة وتقول لي "يا سيدتي لقد فات الأوان ولم تعد هذه الإنسانيات تواكب هوى أيامنا هذه وإيقاعها "الدولاري" حيث مازال الحلم الأمريكي يراوض عقولهم، بل وأصبح أيضا هناك حلم خليجي ساحر وخلاب".


أرجو أن تتسع لي الصدور وتدعني أعبر عن اقتناعي بأننا لا يجب أن ننزلق في فخ "نظرية المؤامرة" بل علينا ان نهرع بالاستثمار في احياء ضمير الامة، انه لمشروع حيوي وجوهري!
دعني أُذَكِر أيضا ان الضمير مكانه القلب وهو نور الله داخل جسد الانسان وهي نعمة يضعها الله في قلب من يشاء من عباده، فإما ان يسكن هذا النور قلبه فينيره ويمنحه بصيرته واما ان سلبه اياه، فيبتلي بغلاظة القلب وبالتالي انعدام الرؤية والضمير.
لذا فان توحيد الصفوف الداخلية والاهتمام بالشأن المصري الداخلي والتربية والتعليم وبالتوازي الاهتمام بالـ “المنتج البشري المحلي" لا يقل أهمية عن التكاتف الخارجي بين مصر والدول العربية في الازمة الحالية.

توحيد صفوف الشباب المصري والاستثمار في خلق قوة واعية و مدركة أهمية خدمة الوطن لهي مهمة قومية و محور استراتيجي لا يستهان به و لا يقل أهمية عن قوي اخري سياسية، فقد رأينا على سبيل المثال - اثناء حرب غزة - كيف حققت دعوات المقاطعة لمنتجات "مستوردة " والتي انطلقت في الأوساط الشبابية نجاحا كبيرا، بل وأتت الرياح "بما تشتهي" السفن هذه المرة فاذا بالسوق المحلي يبعث الروح في المنتجات المصرية التي كنا نسيناها من سنوات طويلة بعد ان اعتمدنا على الماركات العالمية حتى في المأكل والمشرب.. فعادت المنتجات المصرية بعد سبات عميق وكان ذلك حافزا اقتصاديا في مواجهة منتجات بديلة وبدا كثير من الشباب ما يعرف بمشاريع الـ "ستارت آب"
فعلينا الانتباه قبل فوات الأوان لأهمية المنتج المحلي وعلاقته المباشرة بإنتاج الامل وفرص العمل للأجيال الجديدة فعلينا دعمه والمنافسة به والرهان عليه، بل وابعاد الشباب عن آفات المجتمع الحالي التي تشكل هي نفسها تهديد له ولكونه قوة مصرية اصيلة وسلاح لمجابهة التحديات الراهنة.
يا أيها المجتمع المصري برجاء إعادة النظر في رؤية التعاملات مع أولاد وشباب هذا الجيل لأنه قائد ايام المستقبل والامل في غد أفضل وافق اوسع!
يا أيها المجتمع المصري التائه بين مصر و"أجيبت"، اسمح لي ان اعترض على قوامك الحالي والوانك التي نقلتها من الغرب اعتقادا منك أنك "تتمدين" وانت من كنت سباق بإرساء قواعد الحضارة البشرية!
اسمح لي ان أقول..
عفوا لمن يلخص الحياة في غاية المال ويقصر أحاديثه على التفاخر بالمظاهر والماديات ولا يعي اننا في منحني تاريخي يتطلب ضمير وطني وقوام جمعي سوي ومتزن..
كفي لثقافة المال التي انتشرت بين الشباب في وطن حباه الله من الخيرات الطبيعية ما لا يعد و لا يحصي و وهبه من الـ “ذخائر" الحضارية والدرر التاريخية ما لم يهبها إياه
تبا لسلسلة الغرائز وعلي راسها الاغواء بالشهرة واللمعان المجتمعي أي "الترند" باللفظ الحديث والتي توغلت بين هؤلاء واصابت في مقتل سلسلة القيم ففرطت عقدها..
تبا لهذا التيار الذي حول الدرجات العلمية إلى ألقاب للوجاهة الاجتماعية وسلبها قلبها النابض، هذا العلم النافع ونقل المعارف للنشء في الجامعة وأيضا خدمة عملية البحث العلمي، للأسف أصبح البعض يتصارع للحصول على شهادات "كرتونية" بل و"اقتناء" اثنين او ثلاثة منها على غرار شراء بالطو من الفرو وآخر من الصوف..
كفي للطموح المرضي الذي يسعي للحصول على منصب، فقط لامتصاص رحيقه وتحقيق غاية شخصية دون تقديم المصلحة العامة واعلاء خدمة الوطن..
اختم مقالي هذا بكلمات الشاعر مازن الشريف من تونس والذي أدرك أهمية الضمير الإنساني في المجتمعات العربية، وأشار اليها ببلاغة ووضوح، فكتب:
انا مواطن وحاير.. أنتظر منكم جواب
منزلي في كل شارع.. وفى كل ركن وكل باب
واكتفى بصبري وصمتي.. ثروتي حفنة تراب
أنا حلمي كلمة وحدة
لا حروب لا خراب لا مصائب لا محن
خدوا المناصب والمكاسب لكن خلوا لي الوطن
يا وطن وأنت حبيبي وأنت عزى وتاج راسي
أنت يا فخر المواطن والمناضل والسياسي
أنت أجمل وأنت أغلى وانت أعظم من الكراسي!




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب