ارتباط مصر بالقضية الفلسطينية هو ارتباط تمليه اعتبارات الأمن القومي وروابط الجغرافيا والتاريخ والعروبة والدم. من هنا لم يخضع الموقف المصري من القضية الفلسطينية لأي حسابات أو مصالح آنـية، ولم يكن في يومٍ من الأيام ورقة لمساومات إقليمية أو دولية، لذلك لم يتأثر ارتباط مصر العضوي بقضية فلسطين بتغير النظم أو السياسات المصرية.
وفي إطار التعامل مع الحرب الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، سعت مصر - مع الأطراف الدولية المعنية - لاستصدار قرار من مجلس الأمن لوقف إطلاق نار مستدام في غزة، كما قامت بتوفير المساعدات الإنسانية من خلال معبر رفح البري للفلسطينيين بقطاع غزة. وعملت مصر على تخفيف المعاناة على الفلسطينيين في القطاع وإجلاء الرعايا الأجانب والمصابين من الفلسطينيين وتوفير الدعم اللازم. كما دعت مصر إلى أهمية التزام إسرائيل بصفتها "قوة الاحتلال" بقواعد القانون الدولي لتوفير الحماية الواجبة للمدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك قطاع غزة، والأماكن المقدسة بمدينة القدس والضفة الغربية.
وكان موقف مصر ثابت بضرورة توقف الاحتلال الإسرائيلي عن الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب ضد المدنيين العزل في قطاع غزة، والتي سقط فيها أكثر من 48 ألف شهيد و111 ألف جريح، مع وقف أنشطة الاستيطان غير الشرعية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، خلافاً لاتفاقيات أوسلو والمرجعيات الدولية، وسياسات الطرد والإخلاء القسري للفلسطينيين بمدينة القدس وتغيير الطابع الزماني والمكاني والديموغرافي والجغرافي للمدينة المقدسة والحرم الشريف وامتداداتهما، ففي مارس 2016 وأمام القمة الاستثنائية الخامسة لمنظمة التعاون الإسلامي لدعم فلسطين والقدس الشريف في جاكرتا كانت التحذيرات المصرية المستمرة حول الهجمة الشرسة على مدينة القدس المحتلة، ومخططات تغيير هوية ومعالم المدينة المقدسة وطمس الثقافة الإسلامية، فضلاً عن التلاعب بالوضع الديموغرافي لسكانها. وما يحدث الآن من محاولة فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة سياسياً وجغرافياً، ومحاولة إحداث تغيير ديموغرافي داخل قطاع غزة من خلال فصل شمال القطاع عن جنوبه وتهجير الفلسطينيين من شمال القطاع قسرياً إلى جنوب القطاع.
ومنذ تولي الرئيس القائد عبد الفتاح السيسي ظلت القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة لمصر وبذلت مصر العديد من الجهود لوقف إطلاق النار لتجنب المزيد من العنف وحقن دماء المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يدفعون ثمن مواجهات عسكرية لا ذنب لهم فيها، فضلاً عن الجهود الإنسانية التي قدمتها مصر من خلال فتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والمصابين الفلسطينيين والمساعدات الغذائية والدوائية للشعب الفلسطيني.
يظل الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية، ثابتاً ومشرفاً ومؤكداً على أن السلام العاجل هو الحل الوحيد لضمان السلام والتعايش الآمن بين شعوب المنطقة، وأن التصعيد والعنف والدمار يؤدون إلى دفع المنطقة نحو حافة الهاوية وزيادة المخاطر إقليمياً ودولياً.
وقد حضّ الرئيس السيسي، أمس الثلاثاء، على إعادة إعمار قطاع غزة "دون تهجير سكانه الفلسطينيين" بعدما قال الرئيس الأمريكي ترامب إنه يمكن وقف المساعدات لمصر والأردن إذا رفضا استقبال سكان غزة، وشددت مصر على أهمية الإسراع في بدء عملية إزالة الركام وإعادة الإعمار بوجود الفلسطينيين بغزة في ظل تمسكهم بأرضهم ورفضهم الكامل للتهجير بدعم كامل من العالمين العربي والإسلامي والمجتمع الدول، والتسوية النهائية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما يضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية بما يحقق الاستقرار في الشرق الأوسط.
وشدد الرئيس السيسي على ضرورة بدء عمليات إعادة إعمار غزة بهدف أن يكون قطاع غزة قابلاً للحياة، دون تهجير سكانه الفلسطينيين. وأكد الرئيس على أن القاهرة ستواصل دعمها للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل حقوقه المشروعة.
وشددت مصر على أن أي رؤية لحل القضية الفلسطينية ينبغي أن تأخذ في الاعتبار تجنب تعريض مكتسبات السلام في المنطقة للخطر، بالتوازي مع السعي لاحتواء والتعامل مع مسببات وجذور الصراع من خلال انهاء الاحتلال الاسرائيلى للأرض الفلسطينية، وتنفيذ حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والتعايش المشترك بين شعوب المنطقة.
وستستضيف مصر "قمة عربية طارئة" حول تطورات القضية الفلسطينية في 27 فبراير الجاري. وستتناول القمة مناقشة التطورات المستجدة والخطيرة للقضية الفلسطينية وبحث الوصول لقرار وموقف عربي موحد يرفض التهجير، ويعقبها عقد اجتماع وزاري طارئ لمنظمة التعاون الإسلامى.
يظل تمسك مصر بموقفها الرافض للمساس بحقوق الشعب الفلسطيني، بما فيها حق تقرير المصير والبقاء على الأرض والاستقلال، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك وطنهم ووقف الاستيطان، موقف لا يتزعزع ولا تحيد عنه.